(مشروع قانون الإصلاحات الذي يشق طريقه في الكونجرس، سيضع "وول ستريت" موضع المساءلة، وهو ما سيتيح لنا القدرة على تقديم المساعدة من أجل الحيلولة دون وقوع كارثة مالية أخرى، كتلك التي لا زلنا نتعافى من آثارها"...هذا ما قاله أوباما يوم 25 يونيو. من الوهم أن يتبادر إلى أذهاننا أن التشريع الجديد الخاص بالإصلاح المالي إذا ما افترضنا أنه سيمر عبر مجلس الشيوخ، سوف يحمينا طول الوقت من الهلع والأزمات المالية. فالأزمات الكبرى من النوع الذي شهدناه عامي 2008، و2009 إذا ما حدثت مستقبلا فسوف يفصل بينها عقود من الزمن، مما يجعل من الصعب تحديد مقدار الحماية الحقيقية التي يوفرها القانون. وما يمكن قوله في هذا السياق إن المكونات الأساسية لحالات الهلع المالي غالبا ما تكون واحدة وتشمل: عدم اليقين، والجهل، والخوف ، وليس هناك قانون مهما بلغ إحكامه، وشموله، قادرا على محو هذه المكونات بشكل دائم. ولدينا حالات قريبة تذكرنا بمدى السرعة التي يمكن بها للمفاجآت أن تحدث. ففي السادس من مايو الماضي على سبيل المثال، هبطت قيمة الأسهم الأميركية بنسبة مخيفة هي 6 في المئة خلال دقائق معدودات. ليس هذا فحسب، بل إن قيمة بعض "الأسهم الممتازة" هبطت إلى ما دون "البنس" .مع ذلك لا يزال هذا التداعي غير مفهوم بشكل كامل، على الرغم من أنه يمكن نسبته بشكل عام إلى التفاعل الذي حدث بين استراتيجيات التجارة المبرمجة كمبيوتريا، أي تلك التي تقوم فيها الكمبيوترات بعمليات بيع وشراء الأسهم تلقائيا، وبين أسواق الأوراق المالية المختلفة. وهناك فزع من نوع آخر ظهر في أوروبا وهو: وصول اليونان إلى درجة قريبة للغاية من العجز عن سداد الديون المستحقة عليها. وهذا الفزع يمكن أن يؤدي لأزمة مصرفية كبرى، إذا ما أدت المخاوف من احتمال عجز دول أخرى ـ غير اليونان ـ عن سداد ديونها إلى خسائر ضخمة للبنوك التي تحتفظ بسندات حكومية. مع ذلك، فإن معظم الصدمات المالية لا تتحول إلى هلع. والذي يحول دون حدوث ذلك هو مزيد من الأسواق المصححة لنفسها، والضوابط النظامية الصناعية، واللوائح والقوانين الحكومية. وعلى الرغم من ندرة حالات الهلع، إلا أن ذلك لا يجب أن يمنعنا، بحال، من الاعتراف بانكشاف النظام المالي "العالمي" الذي يعتمد على تقنيات معقدة. ففي نهاية العام 2009، على سبيل المثال كان الأميركيون يمتلكون 18 تريليون دولار في صورة أصول أجنبية( أسهم، وسندات، وعقارات، وشركات كاملة)، في حين كان الأجانب يمتلكون 21 تريليون دولار في صورة أصول أميركية. ولم يكن ممكنا بالطبع لأي مستثمرين أو أي منظمين أن يتنبأ بكل تهديد يمكن أن يطال هذه المنظومة الضخمة والسائلة في آن. وما يستطيع التشريع الجديد أن يفعله، هو تقليص احتمالات أن تكون الأزمة القادمة مشابهة للأزمة الأخيرة. ويمكن، كما يذهب إلى ذلك المدافعون عنه، أن يجعلنا قادرين على التخلص من ظاهرة" أكبر من أن يسقط". من المعروف أن الحكومة الأميركية قد واجهت أثناء الأزمة المالية الأخيرة ذلك الخيار غير السائغ بين إنقاذ المؤسسات المالية الضخمة والمترنحة ( بير شتيرنز، آيه آي جيه) أو السماح بحدوث إفلاس فجائي ( ليمان براذر) لتأجيج حالة الهلع من خلال إلحاق خسائر بالبنوك والمستثمرين الآخرين لتجنب هذا المأزق. والتشريع الجديد يفعل الشيئين معا: الأول أنه سيراقب المؤسسات المالية الكبري على نحو أكثر قربا ودقة. حتى الآن راقب "الاحتياطي الفيدرالي" الشركات المصرفية القابضة مثل"سيتي جروب". و لكن بعض الشركات الضخمة مثل" إيه. آي.جيه" ـ شركات التأمين بشكل رئيسي ـ تمكنت من تجنب الالتزام بالقواعد التنظيمية التي وضعها " الاحتياطي الفيدرالي". بموجب ذلك التشريع كان بمقدور الاحتياطي الفيدرالي فحص وتنظيم أي "صندوق تحوط" أو شركة تأمين، أو شركات خدمات مالية يمكن لفشلها أن يعرض النظام بأسره للخطر. ثانيا: إذا لم تتمكن التنظيمات الأشد صرامة، والمتطلبات الرأسمالية، من منع الخسائر الفادحة فإن التشريع، على أقل تقدير، يمكن أن يوفر طريقة تمكن المؤسسات من إغلاق نشاطها على نحو منظم. ويجب على الشركة أو المؤسسة، أن تقوم بذلك على نحو متدرج، تجنبا لأي تأثير سلبي قد يعطل استمرار السوق، وإذا ما احتاجت مثل تلك الشركة في سياق ذلك إلى أموال فإن الحكومة تستطيع توفيرها لها مؤقتاً. ووفقا لذلك النظام يتم تحمل الخسائر بالكامل من قبل حملة الأسهم، والمقرضين، و"مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية" والتي يتم دعم نشاطها من خلال الرسوم المفروضة على البنوك. المشكلة هي أن ظاهرة" أكبر من أن يسقط" ــ وعلى النقيض من الأقوال المتداولة ـ لم تكن سوى عرض من أعراض الأزمة وليس سببها الرئيسي. فالسبب الرئيسي كان هو الإقراض السيئ من الطراز القديم.. أي منح قروض لشراء بيوت لمقترضين لم يتمكنوا حين استحقاق الديون من السداد. والهلع الذي حدث كان نتيجة لأنه لم يكن هناك أحد يعرف حجم أو موقع الخسائر، والتي تبين في الوقت الراهن وحسب تقديرات موثوقة أنها يمكن أن تزيد عن تريليون دولار. والمفارقة هنا هي أن التشريع يمكن أن يضعف من قدرة الحكومة على كبح أي هلع في المستقبل من خلال الحد ـ وبوسائل فنية بحتة ـ من سلطة الاتحادي الفيدرالي على إقراض المؤسسات المصابة بالهلع في خضم أزمة. إن ما يطلق عليه" الإصلاح المالي" له دافعان: الأول هو: تحقيق استقرار الأسواق المالية، والثاني هو: معاقبة" وول ستريت" على الأزمة. هناك قدر كبير من ذلك التشريع متروك لسلطة المنظمين لدرجة أنه ليس هناك من يعرف في الوقت الراهن المحصلة النهائية له. فهذه المحصلة قد تكون استقرارا أكبر، أو قد تكون إفراطا في اللوائح والتنظيمات، أو قد تكون مجرد توزيع للأنشطة الخطرة على مجموعة من المؤسسات المنظمة بشكل غير صارم. والتاريخ سوف يحكم ما إذا كان ذلك يمكن توصيفه بـ" الإصلاح الحقيقي" أم "الانتقام العادل". روبرت صمويلسون محلل اقتصادي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"