الحقائق الدموية للحرب... والعنف "المبرر"!
في كتابها المعنون "كل رجل في هذه القرية كاذب: التعليم أثناء الحرب"، تقول الصحفية الأميركية "ميجان ستاك" إن الصحفيين الأميركيين ينظرون إلى مهنتهم باعتبارها شكلا من أشكال الكهنوت الفلسفي المتسامي المغلف في أردية الموضوعية، وإنهم يتلمسون طريقهم في بناطيل جينز وقمصان بسيطة، عبر أكثر مناطق العالم اضطرابا، مصممين على القيام برسالتهم ونقل الحقائق فقط، ولا شيء غير الحقائق. هذه فكرة الصحفيين عن مهنتهم بشكل عام، أما فكرتهم عن دورهم كمراسلين خارجيين فهي كما تقول: "إن يخفوا ما رأوه بأم أعينهم".
تقول المؤلفة إنها لم تكن بحاجة لأن تفعل هذا أو أن تنقل عن أحد قوله إنه قد رأي مسلحاً فلسطينياً يجوب شوارع رام الله في سيارة إسعاف تابعة للهلال الأحمر، أو أنه قد رأي جندياً إسرائيلياً يطلق النار على فتى فلسطيني في موضع حساس من جسمه، ببندقية عيار 22 ملم مزودة بكاتم صوت، لأنها كما تقول "لم تكن بحاجة لذلك لأنني رأيت مثل هذه الأحداث بعينيَّ... بيد أن ما أود التأكيد عليه أننا يجب أن نكون منصفين في تغطيتنا الصحفية، وألا نخجل من إعلان ما نرى أنه الحقيقة".
وتضيف المؤلفة: "فقط بعد أن غطيت الحرب على الإرهاب لسنوات، تسنى لي أن أعرف أن الحرب على الإرهاب لم توجد أبداً بشكل حقيقي... وأن أي حديث عن تلك الحرب كان عبارة عن إدعاء أجوف لا أساس له في الواقع، مقصوداً به أن يكون أسطورة تعبوية لخليط متشابك من الدوافع المختلطة، والنظريات الاجتماعية، والرعب الليلي، والقسوة والمصالح التجارية المعلقة برباط لا ينفصم بالذكرى التي لا تُمحى للبرجين المتهاويين في الحادي عشر من سبتمبر".
تصف الكاتبة زيارة قامت بها لمدينة في جنوب لبنان صيف عام 2006 أثناء فترة توقف فيها القصف الجوي للطائرات القاذفة الإسرائيلية، فتقول: "كانت المدينة المدمرة التي تحولت إلى شبه أطلال، ملأى بالأشباح التي خرجت من بين الأطلال المدمرة والمظلمة إلى الضوء... وبالزاحفين على الأرض بأرجل مقطعة، وأقدام دامية نصف ميتين، ونصف مجانين، فاقدين كل أمل في الحياة".
"كان الجميع مقطوعي الأطراف، وعلى الرغم من إصابتي، إلا أنني لم آبه كثيراً لذلك... فما معنى الألم البدني أمام هذه المذبحة... وما معنى الألم عندما تشن إسرائيل حربا لا يريدها أحد ضد عدو لم تعد قادرة على تدميره؟ إن الدمار الكوني الناتج عن هذا الجنون سوف يبقى فردياً وجماعياً مثله في ذلك تماماً مثل الدمار القادم من أماكن أخرى في هذا العالم كالعراق".
تلخص المؤلفة أيضاً موقف الجنود الأميركيين في بداية الغزو العراقي، من خلال عبارة قالها أحد المصورين المرافقين لإحدى وحدات الغزو، عندما مرت أمامه امرأة عراقية محجبة، فنظر إليها متعجباً ثم خاطب جنديا قريباً منه بنبرة ساخرة قائلا له: "أنظر إلى هذه النينجا... على ما يبدو أننا سنشاهد العديد من سلاحف النينجا هنا". وهي تفسر هذا الموقف بقولها إن ذلك المصور كان يكره ويحتقر العراقيين لأنه لم يكن قادراً على التواصل معهم بأي طريقة من الطرق. وهذا الموقف في رأيها، والذي لا يقتصر على هذا المراسل، بل كان سائداً لدى الأغلبية العظمى من الجنود، كان هو السبب في رأيها في هذه الفوضى العارمة التي سرعان ما أصبح عليها العراق، بعد الغزو الذي قادته أميركا عام 2003.
وفي إحدى صفحات الكتاب تقول: "إنه لشيء يدعو للاكتئاب في الحقيقة أن يلقى الجنرالان الكبيران، بيترايوس وماكريستال، ثناءً من مختلف أنحاء العالم لأنهما قد قالا -كل في مناسبة مختلفة- ما معناه "إنك عندما تقتل المدنيين، وتدمر منازلهم، وتحولها إلى أطلال، فإن الناجين من هذا الدمار سوف يسعون حتماً إلى قطع رقبتك". والشيء المؤسف حول ذلك الأمر أن البنتاجون، كما تقول، "احتاجت إلى تسع سنوات تقريباً، وإلى إجراء تغييرات شاملة في العقيدة لمعرفة هذه الحقيقة البسيطة".
وتنقل "ستاك" الحروب الأميركية من أفغانستان إلى لبنان والعراق. وهي تتعلم خلال ذلك أن الحروب لا تتعلق بالقتل والتدمير فحسب، وأن هناك خلفيات سياسية هي التي تدفع لهذا الرعب"
وتشرح ذلك بقولها: "لا يزال الشرق الأوسط حتى الآن يعج بالقتلة الذين يؤمنون بأنهم ينفذون إرادة الله... وأنهم وحدهم القادرون على سماع صوته، وأن هذه هي الطريقة التي لا تزال تدار بها معارك الشرق الأوسط، سواء من قبل العرب أو من قبل الإسرائيليين أيضاً. فالإيمان الأعمى هو الجسر الذي يأخذ البشر من الدين القويم إلى العنف المبرر من وجهة نظرهم".
سعيد كامل
-------
الكتاب: كل رجل في هذه القرية كاذب: التوعية أثناء الحرب
المؤلفة: ميجان ستاك
الناشر: بلومسبيري
تاريخ النشر: 2010