ثلاثة أشياء لا أغادر الكويت بدونها: جواز السفر، والكمبيوتر الشخصي "اللاب توب"، وكتاب. وهذا ما كان في رحلتي التي أعتبرها الأولى لمدينة شرم الشيخ المصرية. كنت قد زرت المدينة لمدة يومين قبل سنين لكن الزيارة "مش محسوبة" -كما يقول المصريون، كانت رحلة عمل قضيتها بين قاعة الاجتماعات وغرفة الفندق. المدينة حديثة وعصرية والعاصمة الثانية لمصر، ففيها تعقد المؤتمرات، وفيها يتم كثير من اللقاءات الرئاسية. هواؤها جميل، وطقسها لطيف، خصوصاً إذا ما قارنته بجو الكويت التي غادرتها والحرارة فيها تجاوزت الخمسين درجة مئوية -في الظل، وليس تحت الشمس. على الشاطئ ممسكاً بكتاب صدر هذا العام للمفكر ورجل الأعمال المصري المعروف طارق حجي، كتبه بالإنجليزية وعنوانه: "التقوقع العربي" THE ARAB COCOON. الكتاب يعالج مسألة التطور والحداثة في العالم العربي، وسبب التخلف والعزلة التي يعيشها عالمنا بمعزل عن التأثير في عملية بناء الحضارة البشرية اليوم. يرى الكاتب أن الحضارة البشرية اليوم في زمن العولمة هي حضارة بشرية واحدة بثقافات متعددة، ويشير إلى أن المساهمة في الحضارة البشرية لم تكن من مصدر واحد -بل من مصادر ثقافات بشرية متعددة، لكن مصدرها الأساس في هذه الحقبة التاريخية من تاريخ البشرية هو الغرب، ويستخلص الكاتب أن هناك عوامل ستة من عوامل التقدم الحضاري تغيب عن عالمنا، وأن غيابها سبب أساسي في تخلفنا، وهذه العوامل هي: الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان واحترام الآخر وتطور الاتصالات والمواصلات وتطوير التعليم بما يتناسب مع متطلبات العصر ليشمل كافة قطاعات المجتمع وليس نخباً محدودة. ترفع رأسك عن الكتاب، وتلف بنظرك نحو شرم الشيخ: خدمات متطورة، نظافة وأمن ومعاملة عربية نادرة. تتساءل: أهي معجزة؟ أم أنها إرادة الإنسان حين تتزاوج مع التصميم والعمل المخلص والجاد؟ تستنتج: نستطيع أن نخلق مدناً عربية نظيفة وأمينة وتتمتع بخدمات متطورة. تحاصرك الإشارات بأسماء الشركات والمصارف والمؤسسات المعمارية الخليجية، فترى تزاوجاً نادراً لمدينة عربية ناجحة ونظيفة. تستذكر قصصاً للنصب والاحتيال وأموال مستثمرين عرب في مدن عربية أخرى راحت هباء منثوراً -أو بالأحرى في جيوب الفساد وسلطات تلك المدن. تعرض "السيما" المصرية هذه الأيام فيلماً شيقاً للنجم أحمد حلمي بعنوان "عسل أسود"، الفيلم يختزل بكل جرأة تناقضات الإنسان المصري -التي هي تناقضات الإنسان العربي عموماً. ويحكي الفيلم قصة رجل مصري يعود لبلاده فخوراً بعدما قضى سنين طويلة من عمره في الولايات المتحدة الأميركية التي يحمل جنسيتها إلى جانب جنسيته المصرية الأصلية. التناقضات تبدأ من لحظة وصوله لمطار القاهرة واستخدامه للجواز المصري بدل الأميركي، ويستمر بطل الفيلم في مواجهة مواقف تعكس العلاقة المضطربة التي تعيشها الشخصية العربية في تعاملها مع الآخر- وبالذات مع الآخر الغربي. يرى حجي أن العقلية العربية ترفض تبني عوامل التقدم الستة لأن الغرب هو حامل لوائها، ومع إقرار حجي بتناقض الغرب مع هذه المبادئ حين تصطدم بالمصالح، إلا أنه لا يرى ذلك مبرراً للعرب لتجاهل -بل ولمحاربة تلك العوامل الأساسية للتقدم. حيث يؤكد حجي أن تلك المبادئ نتاج تجربة بشرية تراكمت على مدى آلاف السنين، وليست حكراً وملكية خاصة لأمة أو ثقافة دون سائر الثقافات والأمم، على رغم أن من يرفع لواءها الآن هم الغرب، وأن أكثر مطبقيها في الداخل هي الثقافة الغربية. مدينة شرم الشيخ النظيفة الآمنة، وتناقضات الشخصية العربية في علاقتها بالآخر بفيلم عسل أسود، وكتاب عميق يغوص في علاقة العرب بالتقدم، لوحة من التأمل على شواطئ البحر الأحمر.