منطقة بلا أسلحة نووية
في الخامس من شهر مايو الماضي، اتفقت الدول الخمس الكبرى، الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين، وهي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، على جعل المنطقة العربية وجوارها الجغرافي خالية من الأسلحة النووية، وهو أمر يحمل في مضامينه إجبار إسرائيل على التخلص من أية أسلحة نووية تملكها. موقف الدول الخمس هذا، له العديد من الدلالات التي تصب في خانة منع إيران من امتلاك الأسلحة النووية، التي باتت قاب قوسين أو أدنى منها، لكن الغريب هو موقف الولايات المتحدة الذي لم يمانع هذه المرة من أن تكون إسرائيل مدرجة ضمن منظومة الدول المستهدفة في المنطقة للتخلص من ترسانتها النووية، ظاهرياً على الأقل.
لكن بالنظر إلى الموقف الأميركي من برنامج إيران النووي، يستشف المرء بأن ما قامت به الولايات المتحدة، كان يعكس اهتمامها بالحصول على الدعم العربي لفرض المزيد من العقوبات ضد إيران فيما يتعلق ببرنامجها النووي، والتي تم التصويت عليها في مجلس الأمن لاحقاً، وحصلت على الدعم الدولي الكافي لكي يتم تمريرها. في تلك المرحلة قدمت الولايات المتحدة تنازلات للمجتمع الدولي، بما في ذلك الدول العربية، فيما يخص تملك حليفتها إسرائيل لأسلحة نووية، في الوقت نفسه الذي أعلنت فيه بأن إيجاد منطقة خالية من الأسلحة النووية أمر لا يمكن تحقيقه في القريب العاجل.
وربما أن الطرح الأخير يحمل الكثير من الصحة، فلو استمرت إيران في مساعيها لتصنيع الأسلحة النووية، قد تسير الأمور في عكس الاتجاه، وتسعى دول أخرى في المنطقة للحصول على أسلحة نووية. وما يعزز الطرح بوجود صعوبة في جعل المنطقة خالية من الأسلحة النووية، هو أن حلفاء إسرائيل الغربيين يقولون إن الدول العربية تضغط بقوة حول المسألة في مقابل قيامها بدعم الجهود التي يقوم بها المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة لإيقاف برنامج إيران النووي.
وبالتأكيد وكالعادة، فإن إسرائيل لا تعجبها مواقف المجتمع الدولي الأخيرة من ترسانتها النووية، وهي تحاول بشكل مستمر تحويل انتباه المجتمع الدولي عن ما تملكه هي من أسلحة نووية، وتطلب منه تركيز الانتباه على أن إيران هي التي تشكل خطراً على المجتمع الدولي إذا ما امتلكت أسلحة نووية. لكن من الثابت أن دول العالم التي تسعى إلى منع انتشار الأسلحة النووية في المنطقة، تفهم جيداً بأن كل من إسرائيل وإيران يشكلان تهديداً خطيراً على أمن المنطقة على صعيد التسلح النووي. لذلك فإن المجتمع الدولي إذا شاء أن يبقي المنطقة خالية من تلك الأسلحة الفتاكة، عليه أن يعالج الأمر بشمولية تقع ضمنها جميع دول العالم التي تملك فعلاً أو تسعى بشكل حثيث، إلى التسلح النووي، فإلى الآن يقوم عدد من الأطراف الدولية المهمة بالكيل بمكيالين تجاه هذه المسألة.
وموضوع الكيل بمكيالين هذا، يعطي الدول التي تسعى إلى التسلح النووي كإيران وكوريا الشمالية، وربما غيرها مستقبلاً، المبررات والفرصة للمناورة ورفع الأصوات التي تقول إنه لا يوجد عدل دولي حول مسألة برامج الدول النووية. ففي الوقت الذي تملك فيه معظم دول الغرب أسلحة نووية، ويسمح فيه لإسرائيل بامتلاكها، تمنع حتى البرامج السلمية على دول في العالم النامي. لذلك فإنه ما لم يتم كشف الغطاء الواقي عن مثل هذه الدول، ستبقى برامج دول العالم النامي النووية مصدر قلق شديد للمجتمع الدولي.