مسؤولية الحماية الدولية
شهد القرن العشرون ترسخ الاهتمام الدولي بحقوق الإنسان، ويستمد مبدأ التدخل الإنساني بعده القانوني من القانون الدولي الإنساني المتمثل في اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكولين الإضافيين لعام 1966 لحماية الحقوق الإنسانية في ظرف الصراع المسلح، والقانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يهتم بحماية حقوق الإنسان استناداً إلى عدد من الاتفاقيات والعهود الدولية بشكل عام في أوقات السلم وأوقات الحرب على حد سواء.
فعندما تكون الحكومات ذات السيادة غير قادرة، أو غير راغبة، في حماية مواطنيها، يأتي التدخل الإنساني ومفهوم مسؤولية الحماية الدولية للمجتمع الدولي من خلال الأمم المتحدة وأجهزتها ومنظماتها عن طريق، أولا، الاستخدام الملائم للوسائل الدبلوماسية والإنسانية وفقاً للفصلين السادس والثامن من ميثاق الأمم المتحدة، حيث يعترف الفصل الثامن من الميثاق بوجود دور للمنظمات الإقليمية في حفظ السلم والأمن الدوليين. أو اتخاذ إجراء جماعي بالوسائل العسكرية اللازمة عن طريق مجلس الأمن استناداً إلى الفصل السابع من الميثاق في حال قصور الوسائل السلمية، وعجز السلطات الوطنية عن حماية سكانها من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم المرتكبة ضد الإنسان. وتنص المادة 39 على أن لمجلس الأمن أن يقرر ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به، أو كان ما وقع عملا من أعمال العدوان. ويقرر كذلك ما يجب اتخاذه من تدابير، وتشتمل هذه التدابير وفقاً للمادتين ( 41)، و(42)، أعمال الحظر والجزاءات وقطع العلاقات الدبلوماسية. غير أنه إذا رأى المجلس أن هذه التدابير غير كافية، فله أن يلجأ إلى استخدام القوة العسكرية وما يلزم من الأعمال لحفظ السلم وإعادة الأمن إلى نصابه.
إن غاية السرد القانوني السابق الوصول إلى حقيقة أن قضية حصار غزة المستمر والهجمة الإسرائيلية على أسطول المساعدات الإنسانية تدخل في صلب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، فالسلوك الإسرائيلي المتمثل في حصار غزة المستمر يعد انتهاكاً صريحاً للقانون الدولي الإنساني، فاتفاقية جنيف الرابعة تنص في موادها على وجوب توفير وإيصال وعدم عرقلة جهود الإغاثة الإنسانية للمدنيين الواقعين ضمن أي نزاع مسلح، فيما يحظر البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، ولاشك أن حصار غزة ينتهك كافة مواثيق حقوق الإنسان الدولية بانتهاكه للحقوق الأساسية لسكان غزة كالحق في الحياة، وبالتالي فإن مبدأ الحماية الدولية ينطبق على أهل غزة.
على رغم أن الفعل الإسرائيلي يدخل في نطاق تهديد السلم والأمن الدوليين بحصار غزة، أولا، ثم بالقرصنة البحرية في المياه الدولية أي أن الفعل الإسرائيلي يدخل في نطاق اختصاصات مجلس الأمن ويشمله الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إلا أن مجلس الأمن كأعلى سلطة دولية، وفي تعاطيه مع كيان خارج عن القانون، فشل في حفظ الأمن والسلم الدوليين. كما فشل مندوبو الدول العربية والإسلامية في الحصول على قرار من مجلس الأمن، واستعيض عن القرار الأممي ببيان رئاسي لا يعد ملزماً قانونيّاً، ولم يشجب أو يدن، واكتفى بالمطالبة الهزيلة بتحقيق محايد، ولم يشترط حتى أن يكون هذا التحقيق تحت مظلة دولية.
إن تسييس مفهوم مسؤولية الحماية الدولية للمجتمع الدولي في الحالة الفلسطينية/ الإسرائيلية يسلط الضوء على ازدواجية المعايير الدولية في التعاطي مع القضايا الإنسانية، وهي نكسة أخرى في تطور قانون حقوق الإنسان الدولي، وصفعة سياسية للمجتمع الدولي الداعم لفك الحصار عن قطاع غزة لأسباب إنسانية بالدرجة الأولى.