مع مرور 62 عاماً على سرقة فلسطين، ها هي أنظارنا مشدودة إلى تهويد القدس وعموم الضفة الغربية، في حين تشكل المدن الفلسطينية التاريخية في أراضي الـ48 عنواناً رئيساً لمشاريع التهويد الصهيونية. ويتم هذا المخطط عبر أربعة مسارب: 1- تضييق الخناق على المواطنين الفلسطينيين وحرمانهم من الخدمات وتهميشهم في مسعى لدفعهم إلى ترك الأحياء القديمة طوعا. 2- نزع الهوية العربية الفلسطينية عن المدينة وتزييف تاريخها وطمسه وعبرنة كافة معالمها. 3- امتلاك البيوت والعقارات من خلال المؤسسات والشركات الحكومية. 4- سن قوانين على مقاس المخططات الإسرائيلية بحيث تسهل السيطرة على الأوقاف الإسلامية (والمسيحية ولو بأساليب أخرى) مع تيسير شراء الأملاك من قبل مؤسسات ورؤوس أموال صهيونية عالمية أو محلية. وقد تسارعت عمليات التهويد في السنوات الأخيرة بعد تفكيك المستعمرات (المستوطنات) في قطاع غزة، إذ كثفت جمعيات "استيطانية" متطرفة نشاطها لتهويد المدن المختلطة، وفي مقدمتها يافا وعكا. فهاتان المدينتان تأتيان في سلم الأولوية لعمليات التهويد ("القومية" الإسرائيلية على أرض فلسطين التاريخية) والمقصود منها، عملياً، إحلال اليهود في مدن وأحياء عربية وبناء "مستوطنات" في مناطق ذات أغلبية عربية. "عروس الشاطئ"، يافا، تشكل موقع جذب لليهود من خارج فلسطين لشراء منازل وعقارات فيها؛ كونها محاذية لجنوب تل آبيب، العاصمة الفعلية للدولة الصهيونية التي تجتذب رأس المال والاستثمارات اليهودية الكبرى. ويسكن هذه المدينة الفلسطينية العربية التاريخية قرابة 17 ألف عربي، يشكلون ثلث سكانها حالياً، حيث تلجأ المؤسسة الإسرائيلية إلى طرد السكان العرب والسيطرة على أملاكهم، عبر جهات من السوق الخاص (قطاع البناء والإسكان) لتسيطر على البيوت والأراضي العربية بواسطة إغراءات مالية من جهة، وبواسطة التضييقات الرسمية من جهة أخرى. وقد جاء ابتكار هذا النوع من آليات التهجير ليتماشى مع بيئة وخصوصية مدينة يافا الواقعة في المركز الإسرائيلي، وكونها -عملياً- تعتبر جزءاً من مدينة تل آبيب. وبحسب الخطط التهويدية، سيتضاعف عدد السكان اليهود فيها خلال العقد القادم. وقد نشر موقع "يافا" الإلكتروني تقريراً جاء فيه: "جرت مؤخراً في مدينة يافا عملية يكتنفها كثير من الصمت والهدوء حيث تنقلب معالم المدينة ويتحول أشهر أحيائها، وهو حي العجمي، إلى جنة الأغنياء (اليهود) الجديدة". فالأغنياء من مدن أخرى، ومن خارج إسرائيل، لا يجدون مكاناً إلا فيها، وتحديداً في حي العجمي". وفي يافا، يتخذ "التطوير" الإسرائيلي معنى آخر بالنسبة للسكان العرب، يصل إلى حد طردهم وتشريدهم في عملية تهويد هادئة وبطيئة تزحف على معالم المدينة فتهدم البيوت التي يمنع أهلها العرب من ترميمها مع دفع مبالغ خيالية لا تصدق. ويضيف الموقع: "السكان العرب في حي العجمي وفي الأماكن التي تخطط بلدية تل أبيب وشركة تطوير يافا لتحويلها إلى أماكن سياحية جذابة، يتركون لوحدهم، وبذلك تتوفر كل الشروط لاستكمال مخطط التهويد"، سواء عبر منع العرب من ترميم منازلهم، أو حجب رخص البناء عنهم، أو عرض إغراءات مالية خيالية لبيع منازلهم لإقامة مجمعات سكنية فخمة على ركام هذه المنازل، شريطة المغادرة بعد البيع. أما عكا التي "ما كانت تخاف هدير البحر"، فوفقاً لمعطيات دائرة الإحصاء الإسرائيلية، فقد بلغ عدد سكانها العرب، في بداية سنوات الألفين، قرابة 15 ألف نسمة من مجموع 50 ألفاً يعيشون فيها. من هنا، جاء التفكير في أساليب جديدة لزيادة أعداد اليهود في عكا وإنتاج نوع جديد من "الاستيطان" لتعزيز كفة الميزان الديمغرافي في الجليل عامة، ومدينة عكا خاصة، لصالح اليهود عبر ما يسمى "الاستيطان الديني" والاستعانة بالحركات اليهودية اليمينية المتطرفة التي ترى في العقيدة الدينية وعلاقتها بالأرض وتحريرها من "الأغيار"، أساساً للاستيطان. وفي تقرير للجنة الشعبية (العربية) في عكا، صدر في مايو 2008 (وقد أقيمت اللجنة عقب الاعتداءات على السكان العرب في المدينة عام 2007)، جاء أن "بذور الاستيطان الديني المتطرف الحديث يعود إلى عام 1997، حيث أقيمت "نواة أومتس" (جرأة- بالعربية) من قبل مجموعة مستوطنين من خريجي "يشيفات هيسدير" من مدينة الخليل. وعلى إثر ذلك استوطنت مجموعة مؤلفة من عائلات شابة في عكا بغية "تهويد المدينة". بعدها بدأ عدد متزايد من "المستوطنين" الشباب بالانتقال إلى عكا ليشكلوا نواة دينية- قومية تقود عملية السيطرة على الأحياء العربية. وبعد إعادة الانتشار الإسرائيلي على حدود غزة في عام 2005 وتفكيك المستعمرات هناك، انتقل جزء من "مستوطني" القطاع إلى عكا حيث الأرضية مهيأة لاستقبالهم. وطبعاً، تعمل الحكومة الإسرائيلية أيضاً، بواسطة بلدية عكا وشركات حكومية، من أجل التضييق على المواطنين العرب ومحاولة السيطرة على منازلهم، خاصة في أحياء البلدة القديمة. ومن المعروف أن السكان العرب في البلدة القديمة هم من الشرائح الضعيفة والفقيرة، يعيش معظمهم في منازل معرفة، وفقا للقانون الإسرائيلي، على أنها "أموال متروكة" تعود ملكيتها لشركة إسرائيلية تسمى "عميدار" تسعى بكل الوسائل إلى إخراج السكان العرب من منازلهم وبيعها ليهود! لقد شهد العام الماضي سلسلة قرارات للكنيست (البرلمان الإسرائيلي) والحكومة لتهويد ما تبقى من أرض فلسطين 48. فقد استن الكنيست "قانون خصخصة الأراضي" الذي يسمح بالبيع والتمليك من خلال الخصخصة واسعة النطاق التي تشمل كل الأراضي والأملاك غير الزراعية، فضلاً عن "قانون التجمعات السكانية اليهودية" التي لا يسمح (بل يحظر على) الفلسطينيين السكن فيها إلا بإذن خاص، رغم كون هذه "التجمعات"، في الأصل، مساحات واسعة يملكها الفلسطينيون العرب لكن لا يسمح لهم بالدخول إليها. هذه المقارفات الإسرائيلية هي في حقيقتها نتاج جنون وهستيريا التهويد لكل شيء... للأرض والإنسان. لذا، يحيي فلسطينيو 48 في 30 مارس "يوم الأرض"، عاماً إثر عام، ليكون بمثابة يوم الوحدة الكفاحية للجماهير الفلسطينية دفاعاً عن الأرض العربية وضد عنصرية التهويد. وإذ يفعل أهلنا في العمق الفلسطيني ما يفعلونه، تجاه مصالحهم المباشرة، وتجاه مصالحنا نحن أبناء الوطنين العربي والمسلم، ترى ماذا نحن فاعلون لهم؟