أسواق المال... وتقييم التقييم!
على نسق مصطلح نفي النفي في الفلسفة تحدثنا قبل عدة أشهر عن تقييم التقييم لوكالات التصنيف الائتماني الدولية ودورها في الإساءة لاقتصادات بعض البلدان عن طريق المبالغة في تخفيض التصنيف الائتماني لتلك البلدان، وبالأخص أثناء أزمة ديون بعض الشركات المحلية، وأشرنا إلى أن هذه الوكالات بدأت تفقد مصداقيتها، حيث اعتقد البعض أن هناك بعض التجني وأن الموضوع يتعلق بمحاولة الدفاع عن اقتصادنا المحلي وأن وكالات التصنيف الدولية "موضوعية" في تقييماتها.
ولكن لنرَ الآن موقف المفوضية الأوروبية من وكالات التصنيف الائتماني الدولية، وهي مفوضية تمثل البلدان الـ 27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وتتمتع بمصداقية كبيرة، حيث وجهت هذه المفوضية اتهامات قوية لوكالات التصنيف الائتماني الثلاث "موديز" و"فيتش" و"ستاندرد أند بورز" وركزت على دور تلك الوكالات في تعميق أزمة الديون التي تعاني منها بعض البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وبالأخص اليونان، حيث أشارت المفوضية إلى عدم دقة التصنيف الائتماني لتلك البلدان، مثلما أشرنا بدورنا في حينه إلى عدم دقة التصنيف الائتماني للدولة الذي خفضته تلك الوكالات حينها.
ومثلما عمدت دبي إلى إنشاء مؤسسة للرقابة الائتمانية، فقد وضعت المفوضية الأوروبية خطة تهدف إلى إخضاع وكالات التصنيف الائتماني لرقابتها عبر إنشاء هيئة جديدة تابعة للمفوضية تتولى الإشراف على عمل هذه الوكالات، مما يعني إشرافاً أفضل وزيادة في الشفافية لعمل الوكالات المنحازة، التي يبدو أنهاء تخدم من خلال تصنيفاتها غير المهنية، مصالح مراكز قوى ومضاربين في الأسواق الدولية.
وقد بدأ الاتحاد الأوروبي بالفعل في وضع وكالات تصنيف ائتماني تحت قيود مشددة بعد اتهامها بالفشل في تحذير المستثمرين من انهيار العديد من المؤسسات المالية والمصرفية خلال الأزمة المالية العالمية.
وبالإضافة إلى معاناة الأسواق الخليجية والعربية من التصنيفات غير العادلة والمبالغ فيها لوكالات التصنيف الائتماني، فإن أسواق المنطقة تعاني من ضغوط إضافية بسبب التقييمات التي تقوم بها مؤسسات محلية وإقليمية لا تملك القدرات الفنية والمهنية للقيام بهذه التقييمات، مما أضر كثيراً بأسواق المال في المنطقة.
ويبدو أن جل اهتمام شركات تقييم أسهم الشركات المحلية والخليجية من قبل هذه المؤسسات ينصب على تحقيق مكاسب سريعة عن طريق تأجيج المضاربات وجني أرباح سريعة على حساب صغار المستثمرين، وعلى حساب سمعة هذه الأسواق الناشئة حتى تفقد بعض زخمها وسمعتها.
ومثلما قامت دبي والمفوضية الأوروبية بوضع حد لتلاعبات وكالات التصنيف الائتماني الدولية، فإنه لابد من القيام بإجراء مماثل لوقف تلاعب شركات تقييم الأسهم المحلية من قبل مؤسسات تقود يوميّاً عمليات مضاربة في أسواق المال المحلية والإقليمية.
وفي هذا الصدد، فإن على إدارات أسواق المال في المنطقة إصدار التشريعات اللازمة التي تحد من القيام بتقييمات غير موضوعية من قبل شركات غير مؤهلة، وأن يتم تحديد المؤسسات التي تملك الحق في القيام بهذه التقييمات بعد استيفائها لمتطلبات التقييم المتعارف عليها دوليّاً، وأن تكون محايدة وليست طرفاً في عمليات المضاربات اليومية.
وعندها فقط يستطيع المستثمر المحلي والخارجي الاطمئنان على استثماراته في أسواق المنطقة، مما سيساعد على انتشال هذه الأسواق من المأزق الذي ساهمت وكالات التقييم الائتماني ومؤسسات تقييم الأسهم في وضعها فيه، علماً بأن مؤسسات تقييم الأسهم ستستخدم نفوذها لوقف إصدار مثل هذه التشريعات والقوانين المنظمة لعمليات التقييم، إلا أن الأوضاع المالية تتطلب القيام بذلك وبالسرعة الممكنة للحفاظ على أسواق المال وعلى سلامة الأوضاع الاقتصادية في بلدان المنطقة بشكل عام.