لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يسعى فيها المجتمع الدولي لكسر الحصار المفروض على غزة منذ يونيو 2007، فقد اعترضت البحرية الإسرائيلية العام الماضي سفينة "روح الإنسانية" كما داهمت واحتجزت سفناً شاركت في "حملة الكرامة"، ويعتبر "أسطول الحرية" المكون من ثماني سفن هو الأكبر حيث كان يقل 650 ناشطاً ومتضامناً من أكثر من أربعين دولة، ويحمل الأسطول عشرة آلاف طن من المساعدات الإنسانية لسكان غزة، ولكن إسرائيل وضعت نهاية دموية لحملة التضامن الدولية هذه باقتحام القوات الإسرائيلية لـ"أسطول الحرية". لقد دخلت المنظمات الدولية الحقوقية ومنظمات حقوق الإنسان إضافة إلى الحركات الاجتماعية الدولية كفاعلين رئيسيين في العلاقات الدولية وبدأت الحركات الدولية المتنامية في لعب دور رئيسي في حشد الشعوب والأحزاب لتبني القضايا الدولية العابرة لحدود واهتمامات الأحزاب السياسية تقليديّاً، وغدا مصطلح المجتمع الدولي يرمز لشعوب وأفراد يلتقون حول اهتمامات إنسانية مشتركة كالعدالة الاجتماعية والبيئة وحقوق الإنسان ورفض العنف والحرب. وعبر السنوات الماضية تنامت حركة التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية في كافة أنحاء الكرة الأرضية، وأصبح دعم الشعب الفلسطيني ورفض السياسات الإسرائيلية عنواناً لها، وتدريجيّاً انسلخت مواقف حركة التضامن الدولية عن مواقف حكوماتها الرسمية؛ بل وتصادمت معها أحياناً، وتمايزت مواقفها حتى عن مواقف الأحزاب السياسية التقليدية في دولها. ويعد الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة شكلا من أشكال العقاب الجماعي لما يزيد عن 1.4 مليون فلسطيني عالقين في غزة بعد أن أغلقت السلطات الإسرائيلية المعابر الخمسة بين غزة واسرائيل والضفة الغربية. وتبرر الحكومة الإسرائيلية استمرار سياسة خنق غزة بالقول إنها سياسة رد فعل على هجمات الجماعات المسلحة الفلسطينية، خاصة جماعة "حماس". لقد دفع العدوان الإسرائيلي على غزة في الفترة من 27 ديسمبر 2008 إلى 18 يناير 2009، بالأزمة الإنسانية في غزة إلى مستويات كارثية إذ قتل في ذلك الهجوم 1380 فلسطينيّاً، بينهم أكثر من 300 طفل، وجرح آلاف الأشخاص، كما دُمرت آلاف المنازل والمباني المدنية، بينها مستشفيات ومدارس، أو لحقت بها أضرار، وأدى استمرار الحصار إلى إعاقة جهود إعادة الإعمار أو حتى منعها. ويمكن ملاحظة التحرك الدولي السريع لتنظيم الحركة التضامنية الدولية من قبل المجتمع المدني الدولي بمؤسساته وشبكاته التنسيقية لتنطلق التظاهرات المنددة بالعدوان الإسرائيلي والمناصرة للشعب الفلسطيني كقضية إنسانية بالدرجة الأولى. لقد نجحت المنظمات الفلسطينية بالتواصل الفعال مع منظمات المجتمع الدولي من خلال تزويدها بالمعلومات والبيانات، وتواصلت بفعالية مع الإعلام الدولي ناقلة يوميات العدوان الإسرائيلي وجرائم الحرب في غزة، لتنظيم الاحتجاجات والضغط على الحكومات الصامتة. واقعيّاً لم يواكب التحرك الشعبي الدولي تحرك رسمي أو حكومي، وعلى رغم محدودية الدور الأوروبي فقد سجلت الحركة التضامنية مع الشعب الفلسطيني نجاحاً في تحريك الشعوب الأوروبية للضغط على حكوماتها للتدخل في وقف الحرب الإسرائيلية. وكان للعدوان الإسرائيلي على غزة الدور في بلورة فكرة مقاضاة رموز المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية من قبل المنظمات الحقوقية الدولية، وتلك نقلة نوعية في العمل لمناصرة القضية الفلسطينية ولاستخدام أدوات القانون الدولي من قبل المنظمات الحقوقية تحقيقاً للعدالة الدولية. وتأسيساً على ما سبق فإن استثمار دعم المجتمع الدولي لسكان غزة وللقضية الفلسطينية كقضية إنسانية بالدرجة الأولى، بعيداً عن ثنائية الصراع الديني، من شأنه أن ينقل الصراع إلى مستويات متقدمة حيث تستطيع حركات التضامن الدولية مع الشعب الفلسطيني أن تنقل تأثيرها على حكوماتها مما من شأنه أن يغير من قواعد اللعبة الدولية لمصلحة القضية الفلسطينية والقضايا العربية العادلة مستقبلا.