أبوظبي و"توطين" التكنولوجيا
تمتلك إمارة أبوظبي أكبر صندوق سيادي في العالم، وقد وصلت قيمة أصول هذا الصندوق قبل بداية "الأزمة المالية العالمية" إلى نحو 875 مليار دولار، كما تمتلك الإمارة خبرة كبيرة في إدارة الأصول الاستثمارية في الخارج والاستفادة من الفرص الاستثمارية الواعدة على مستوى العالم، وقد اتضحت هذه الخبرة بشكل جليّ في طريقة تعامل الصندوق مع مستجدّات الاقتصاد العالمي في ظل الأزمة، حيث إنه قام بمراجعة أسلوب عمله وفقاً لهذه المستجدّات، وبما يمكنه من اتخاذ القرارات الاستثمارية السليمة ويحمي مصالحه ويعود بالنفع على اقتصاد الإمارة في النهاية.
وبفضل القدرات الاستثمارية الكبيرة لإمارة أبوظبي والخبرات المتميزة المتوافرة لديها في التعامل مع المتغيرات الاقتصادية الدولية، استطاعت أن تكتسب خبرات كبيرة أيضاً في أن تجعل من نفسها وجهة استثمارية عالمية مفضّلة، وكنقطة انطلاق للاستثمارات إلى منطقة الشرق الأوسط كلها، بعد أن تمكّنت أبوظبي من تأسيس بنية تحتية متكاملة، حيث تتوافر فيها جميع متطلبات ممارسة جميع الأنشطة الاقتصادية من دون استثناء، وبعد أن استطاعت أن توفّر أطُراً تشريعية وقانونية مرنة بما يكفي لتسهيل مهام المستثمرين وتعاملاتهم.
والواضح أن الإمكانات التي بنتها أبوظبي، سواء في مجال الاستثمارات الخارجية أو كوجهة استثمارية مفضلة في العالم، قد وضعتها في موضع تفاوضي قوي مقابل الاستثمارات الأجنبية الآتية إليها، وأصبح بمقدورها الانتقاء بين هذه الاستثمارات، واجتذاب الاستثمارات التي تخدم أهدافها، ويضمن لها تطويع هذه الاستثمارات بما يضمن لها استكمال مسيرتها التنموية، ليس في صورة زيادة الطاقات الإنتاجية الكمية لاقتصادها فقط، ولكن تمكّنت الإمارة من الانتقال من مرحلة اجتذاب الاستثمارات الأجنبية في صورتها المالية إلى مرحلة جديدة تشترط على هذه الاستثمارات أن تكون مصحوبة بنقل التكنولوجيا، ومن ثم "توطين" تكنولوجيا الصناعات المتقدمة على أراضيها.
وفي هذا الإطار تأتي مذكرة التفاهم التي وقّعها "جهاز الشؤون التنفيذية بأبوظبي" مع ولاية "ساكسونيا" الألمانية مؤخراً، والقاضية بإقامة شراكة بين الجانبين لتبادل المعلومات والخبرات في مجال الصناعات التكنولوجية المتقدمة، خاصة الصناعات الإلكترونية المتقدمة وصناعة الموصّلات والرقائق الدقيقة، كما سيتم بمقتضى هذا الاتفاق نقل بعض الصناعات الإلكترونية من ألمانيا إلى أبوظبي. كما يعتبر امتلاك حكومة أبوظبي حصة الأغلبية في شركة "جلوبال فاونداريز"، التي تمتلك مصنعاً للرقائق الدقيقة في مدينة "درزدن" الألمانية أيضاً أحد أوجه تميّز تجربة أبوظبي الاستثمارية في الخارج، التي ستساعدها على استقدام هذه الصناعات المتطورة إلى الدولة لتصبح موطناً لها في المنطقة.
ويمثل الاتفاق الموقّع مؤخراً بين "جهاز الشؤون التنفيذية بأبوظبي" مع ولاية "ساكسونيا" الألمانية، إحدى الحلقات التي كانت مفقودة في عمليات انتقال الاستثمارات الأجنبية من الدول المتقدمة إلى الدول النامية، في ظل القيود التي كانت مفروضة في الماضي على نقل التكنولوجيا بالتوازي مع انتقال رؤوس الأموال، ما يعني أن هذا الاتفاق وغيره من الاتفاقات المشابهة حول العالم، تؤذن بتغييرات جوهرية في العلاقة بين الدول المتقدمة والدول النامية في ما يتعلق بحركة رؤوس الأموال، التي تأتي بالطبع في إطار مجموعة من التغيرات الهيكلية في النظام الاقتصادي العالمي، نتيجة تزايد الأهمية النسبية للاقتصادات الناشئة والنامية كمحرك رئيسي للنمو وشريك في اتخاذ القرار الاقتصادي العالمي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.