دخل إقليم كشمير مرحلة جديدة من مراحل اضطراباته مجدداً. فقد تكرر وقوع أحداث العنف فيه مؤخراً، ما يؤثر سلباً على حياة المواطنين اليومية واستقرار معيشتهم. وتتمثل هذه الأحداث في تجدد موجة جديدة من الرمي بالحجارة في خضم نشوب مظاهرات شعبية احتجاجاً على مقتل عدد من المدنيين الكشميريين وعمليات وهمية نفذتها قوات الشرطة الهندية. وليست هذه العمليات ولا قتل المدنيين بهدف انتزاع الترقيات الاستثنائية والحصول على المكافآت على الخدمة الشرطية الشجاعة، أمراً جديداً على هذه القوات. وتتكرر أعمال القتل في عدة ولايات هندية، لا سيما جوجارات ومهاراشترا. ولا تزال في ذاكرة الكثيرين أحداث القتل الوحشي البشع لجافيد شيخ وقرينته إشرات جاهان وكذلك شهاب الدين، خلال عملية وهمية نفذتها شرطة جوجارات، ولا تزال المحكمة العليا الهندية تواصل نظرها في القضية المرفوعة بذلك الشأن. غير أن الذي يثير قلق الحكومة هو أن تنسب هذه العمليات الوهمية إلى الجيش الهندي الذي يتمتع بسمعة طيبة. وحين يكون إقليم كشمير مسرحاً لمثل هذه العمليات، فإن من شأن ذلك أن تكون له عواقب وخيمة، نظراً للحساسية الخاصة التي تتمتع بها الأوضاع هناك. ففي الثامن والعشرين من شهر أبريل المنصرم، غادر الشبان الكشميريون الثلاثة: رياض أحمد وشاهزاد أحمد ومحمد شافي منازلهم في حي "بارا مولا" الواقع في العاصمة سرينجار، بحثاً عن فرص عمل أفضل، ولكنهم لم يعودوا إلى اليوم. وبعد انقطاع أثرهم لمدة أسبوع كامل تم تسجيل بلاغ لدى الشرطة عن غيابهم وسعت الشرطة للعثور عليهم إلا أنها لم تجد لهم أثراً. وبعد أيام قليلة من تلك الحادثة، سجل بلاغ آخر عن غياب صبي يدعى حبيب الله خان، من منطقة "لولب" القريبة من العاصمة. وقد مارس المواطنون هناك ضغوطاً على الشرطة من أجل البحث عنه والعثور عليه. ثم تبين لاحقاً أن الشبان الأربعة المختفين قد قتلوا على يد قوات الجيش في إطار عملية وهمية نفذتها ضد من وصفتهم بأنهم متطرفون جاءوا متسللين إلى داخل الأراضي الهندية من باكستان. وقد دفن أربعتهم سراً في المنطقة الحدودية الفاصلة بين الهند وباكستان. وفي استجابة منها لتصاعد المظاهرات الاحتجاجية الشعبية على ما حدث، أعلنت حكومة الولاية إجراء تحقيق قضائي حول تلك الفضيحة، إضافة لاعتقالها عدداً من ضباط الأمن، وأمرها بنبش جثث الضحايا بغية إجراء تحقيق شامل عن أسباب الوفاة. وبينما لم يعد ممكناً الصمت عن معاقبة مرتكبي جرائم قتل المدنيين الأبرياء هؤلاء، فإنه ليس ممكناً في الوقت نفسه نفي حقيقة تزايد تسلل المتطرفين المسلحين من الجانب الباكستاني إلى داخل الأراضي الهندية مؤخراً على إثر انسحاب الآلاف من قوات الجيش الهندي منذ بداية العام الحالي. وكان رئيس الوزراء الهندي قد أعلن عن هذا الانسحاب في نهاية العام الماضي، ضمن مبادرة منه لإظهار حسن النوايا، وتشجيع الكشميريين الانفصاليين على العودة إلى طاولة المفاوضات والعمل على إيجاد حل سلمي للنزاع حول الإقليم، غير أنه لم تستجب لهذه المبادرة أي من الفصائل الانفصالية الكشميرية. هذا ومن المتوقع أن يذهب مانموهان سنج في زيارة أخرى إلى كشمير، يتوقع لها أن تحظى برقابة مكثفة من الجانبين الهندي والباكستاني على حد سواء. وعلى رغم إعلان رئيس الوزراء أن زيارته المتوقعة إلى سرينجار لها صلة بمراجعة برامج التنمية الجارية في كشمير، فإن المتوقع أن يسعى سنج إلى بث روح جديدة في جهود الحل السلمي للنزاع، خاصة وأن هذا الحل لا يزال يمثل السبيل الوحيد لتسوية المسألة الكشميرية. ويبدو أن حكومة نيودلهي تتبنى نهجاً يقوم على مزيج من الحوار السياسي والمبادرات الاجتماعية التنموية، بهدف التصدي لشعور الكثير من المواطنين الكشميريين بالإقصاء من جانب نيودلهي. ومن الواضح حرص رئيس الوزراء الهندي على تجديد التفاوض مع القادة المتطرفين المحليين أملاً في تسوية سلمية للنزاع، لكن عقبات كثيرة لا تزال تعترض السير في هذا الطريق. فمبادرة مانموهان سنج الداعية إلى الحوار لم تجد أذناً صاغية لها من جانب المتطرفين الانفصاليين الذين يعتقدون أن مثل هذه المبادرات تقصد بها نيودلهي خداع المجتمع الدولي أكثر من كونها تقدم حلاً حقيقياً للمشكلة. وعلى رغم ترحيب الأحزاب السياسية الرئيسية مثل "حزب الشعب الديمقراطي" بقيادة السيدة محبوبة، وحزب المؤتمر الوطني بقيادة فاروق عبد الله -وهما الحزبان اللذان يحكمان الشق الهندي من إقليم كشمير- بهذه المبادرة، إلا أنها ليست لها حيلة على تطورات الأحداث ولا تستطيع أن تمارس أي نفوذ كان على المتطرفين الانفصاليين. وعلى أية حال، فإن هناك طرفا واحدا في كشمير يبدي حماساً كبيراً لفتح قنوات الحوار والتفاوض مع الحكومة الهندية في كشمير "حزب مؤتمر كل الحريات" بقيادة مير واعظ مولوي عمر فاروق. وقد طالب هذا القائد الكشميري المعتدل رئيس الوزراء الهندي بالإعلان عن إجراء مفاوضات ذات معنى مع الشعب الكشميري. ومن رأي فاروق أن حل القضية الكشميرية قد تأخر كثيراً ولا بد من إيجاد حل لها. ومن جانبها تعتقد نيودلهي أن المسألة الكشميرية هي أمر ثنائي بين نيودلهي وإسلام آباد، وأنه من المستحيل حله دون مشاركة الطرف الباكستاني. ولذلك فقد وضعته نيودلهي ضمن أجندة "الحوار الشامل بين الهند وباكستان". وكان قد أحرز تقدماً كبيراً بين الطرفين نحو هذا الحوار في ظل حكومة الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف، بيد أنه تعثر مجدداً إثر التوترات التي سببتها الهجمات الإرهابية الأخيرة على مومباي. وفيما يبدو فإن على الطرفين بدء الحوار بينهما من نقطة الصفر، بدلاً من مواصلته من حيث ما انتهى. ولا تزال نيودلهي تعتقد أن الشرط اللازم لاستئناف الحوار مع إسلام آباد، هو أن توفر الأخيرة من الضمانات ما يطمئن الهند على عدم تسلل الأنشطة الإرهابية من داخل باكستان إلى أراضيها. وهكذا تبدو رحلة التفاوض هذه بعيدة وتقف أمامها سلسلة من العقبات.