الحريق اليوناني والقلق الأوروبي
كان يجب تطويق الموضوع منذ أكتوبر 2009 كما يحدث في حرائق الغابات خلال الصيف؛ هكذا وجه بول تومسون رئيس اللجنة المالية ذات العشرين عضواً، وهم يعقدون اجتماعاً مغلقاً في قبو الفندق المخملي "جراند بريتاني" في أثينا، ومعهم أعتى اقتصادي يوناني هو سافاس روبوليس الذي كان محط الأنظار في تحليلاته الاقتصادية ومساهماته في النقاشات الاقتصادية، فضلا عن كونه متحدثا لبقاً ومحللا بارعاً للمستقبل المالي، عدا عن تأليفه العديد من كتب الاقتصاد.
وفي ذلك الاجتماع "الجليدي"، كما وصف بين الرجلين تومسون وروبوليس مع اللجنة المالية المكونة من كبار الاقتصاديين من صندوق النقد الدولي، أصيب روبوليس بالخرس وضربته الحيرة بالدوار؛ فلم ينبس ببنت شفة كما يقول المثل العربي.
المشكلة الآن ليست في "حرامية" اليونان، كما قال تقرير مجلة "ديرشبيجل" الألمانية، في عددها (182010) والذي ساهم في كتابته عشرة من الاقتصاديين، بل المشكلة في حريق يمتد إلى كل القارة. لذلك كتبت المجلة بالعنوان العريض: "أرض اليورو تحترق... قارة بأكملها في الطريق إلى الإفلاس".
ومما ظهر إلى السطح، وكان مُخبأً، أن ديون اليونان ليست كما أعلنتها الدولة، بل هناك أرقام سرية ترتفع بها ثلاثة أضعاف، ولذا يقول الاقتصادي الأميركي من أصل لبناني "نسيم طالب"، وهو يستعرض الوصايا العشر في الاقتصاد، إن من يقول إن الدول لا تفلس هو واحد من اثنين؛ إما أنه جاهل أو أنه مسرف كذاب، فالدول تفلس كما يفلس الأشخاص.
وأنا شخصياً أعرف معنى كلمات الاقتصادي "نسيم" من تجربة عائلية؛ حين غرق والدي في الدين، أي نفس المرض الأميركي الحالي، وهو مرض العالم جميعاً في الوقت الراهن، والذي يمكن تشبيهه بالفيروس. وحتى العامل البنغالي عندي حين حول المبلغ المالي الاعتيادي لعائلته اضطر للاستدانة، فقلت له: لحقك الفيروس الأميركي! فلم يفهم. وبدأنا نحرك الأيادي والأصابع في محاولات لنقل مفاهيم المرض الأميركي الذي دمر الاقتصاد العالمي، حتى أصبحت البيوت في بعض الدول بنصف السعر في رحلة إلى القاع ليس لها قرار.
الوصايا العشر في الاقتصاد مصطلح توراتي، وله مايشبهه في سورة "الأنعام"، حيث يقول الله تعالى: "تعالوا أتلُ ما حرم ربكم عليكم". ولعل أول وصية في الاقتصاد هي الحذر المفرط من الاقتراض.
وتستحق هذه الأفكار العشر مقالة مستقلة، لكن لابد من الوعي الاقتصادي، لأنه يطال كل جيب، ومنذ القديم قال توماس جيفرسون: إذا أردت معرفة قيمة المال فجرب الاقتراض. تماماً مثل الوعي البيئي بالحفاظ على الخضرة لأنها أكسجين الحياة، والوعي الصحي بتناول اللقاحات التي تحرر الإنسان من الشلل والموت، والوعي الديني لأنه يحرر من التعصب والحماقة. كذلك الوعي الثقافي الذي يعرف الإنسان معنى الحياة وكم هي جميلة واسعة، مثله في الأهمية الوعي الجنسي بأمور يستحي المرء أن يتكلم فيها، وإن كان القرآن قد تكلم عنها فقال: "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم".
وعلاقة هذا بالاقتصاد هي ضرورة الوعي بسننه الناظمة، وأهمها خطر الاقتراض والإفراط فيه، وهو الأمر الذي وقعت فيه اليونان فباتت تكابد أزمتها المالية بأشد من مكابدتها حرائق العامين الماضيين.