ما هو تعريف الفقير في أميركا؟ الإجابة على هذا السؤال ليست سهلة، كما أن إدارة أوباما تجعلها أكثر صعوبة. وتكمن صعوبة الإجابة في أن الفقر ليس له تعريف جامع مانع. فعلى سبيل المثال يمكن أخذ الدخل المنخفض على أنه دليل على الفقر، لكن ذلك يؤدي إلى سؤال آخر: ما هو مقدار الانخفاض الذي يمكن عنده اعتبار المرء فقيراً؟. على الرغم مما يحيط بعملية قياس معدل الفقر من صعوبات، فإننا نميل على الرغم من ذلك، إلى قياس التقدم مقارنة به، وذلك من خلال الاعتماد على مقياس إحصائي وحيد، يطلق عليه "خط الفقر الفيدرالي". هذا المقياس تم تصميمه في الأساس في ستينيات القرن الماضي، بواسطة "مولي أورشانسكي" المحللة في "إدارة الأمن الاجتماعي". ومن أجل التوصل لهذا المقياس الإحصائي، أخذت "أورشانسكي"التكلفة المقدرة لوجبة غذائية أساسية - ولكنها كافية مع ذلك - ثم ضربتها في ثلاثة. ومنذ ذلك الحين يتم تعديل حاصل هذه العملية سنوياً، لأخذ عامل التضخم في الاعتبار. ففي عام 2008 على سبيل المثال، وصلت عتبة الفقر إلى 21,834 دولاراً للعائلة المكونة من أربعة أشخاص - منهم طفلان تحت 18 سنة. من خلال هذا المقياس، لم نحقق الكثير من التقدم. فباستثناء حالات الركود، التي يمكن لمعدل الفقر فيها أن يصل إلى 15 في المئة، ظل هذا المعدل محصوراً في نطاق ضيق لعقود. ففي عام 2007 ، الذي يمثل ذروة الدورة التجارية الأخيرة، بلغ هذا المعدل 12.5 في المئة، بمعنى أن واحداً من بين كل ثمانية أميركيين، كان فقيراً. وفي عام 1969 -ذروة دورة تجارية سابقة - كان معدل الفقر 12.1 في المئة. والافتقار الواضح للتقدم يعتبر مضللاً لسببين: الأول، أنه يتجاهل عامل الهجرة، الذي أدى إلى زيادة معدل الفقر المعلن على اعتبار أن معظم المهاجرين هم من الفقراء، ومحدودي المهارة. و"خبراء" الفقر لا يعتمدون على الهجرة في تحديد معدله، لأن استخدام هذا العامل يعني ضمناً أن اتباع سياسات أكثر تضييقاً في مجال الهجرة، قد يخفض نسبة الفقر في الولايات المتحدة. الثاني، أن الرفاه المادي للفقراء قد تحسن، لكن مقياس الفقر الرسمي، يخفي هذا، عندما يقوم فقط بإحصاء الدخل النقدي قبل الضريبة، ويتجاهل مصادر الدعم الأخرى، التي تشمل الإعفاء من ضريبة الدخل المكتسب، (وهو إعفاء يمنح للعمال منخفضي الدخل)، وكوبونات الطعام، والتأمين الصحي، ودعم الإسكان والطاقة. وقد جاء في دراسة أعدها "نيكولاس إيبرستادت" من معهد "أميركان إنتربرايز" أن "إنفاق العائلات الفقيرة من جميع المصادر، قد يؤدي إلى مضاعفة الدخل المعلن". وعلى الرغم من أن معظم الفقراء ينفقون ما يكسبونه أولا بأول للحصول على حاجاتهم الأساسية، فإنهم ساهموا مع ذلك في رفع مستوى المعيشة. ففي عام 2005، مثلًا كان لدى 91 في المئة من الأميركيين أجهزة ميكروويف للطهي، ولدى79 في المئة أجهزة تكييف هواء، ولدى 48 في المئة هواتف متحركة. وخط الفقر الحالي يمكن تحسينه، من خلال إضافة بعض مصادر الدخل، واقتطاع بعض النفقات (رعاية الطفل مثلاً). ومن سوء الحظ، أن اقتراح الإدارة الخاص بـاعتماد "مقياس فقر تكميلي" لعام 2011 - لاستكمال، وليس للحلول محل خط الفقر الحالي -يتجاوز تلك التغييرات. ورقم الفقر الجديد هذا، سيؤدي إلى مضاعفة الارتباك لدى الجمهور، كما أنه يطرح إلى جانب ذلك أسئلة حول ما إذا كان المقياس مفصلا خصيصاً على مقاس أجندة سياسية معينة دون الأخرى. ويربط هذا المقياس "التكميلي" عتبة الفقر، بما ينفقه الثلث الأكثر فقراً بين الأميركيين على الطعام، والإسكان، والملابس، والمرافق. (من المؤكد أن العتبة الحقيقة -التي لم يتم حسابها بعد - ستكون أعلى من خط الفقر اليوم). يشار في هذا السياق إلى أن خط الفقر الحالي هو خط مطلق، بمعنى أن عتبة الفقر تعكس كمية الأموال المقدرة من أجل توفير الحاجات الأساسية للأفراد. على النقيض من ذلك، نجد أن "الإجراء التكميلي" ينطوي على تصور نسبي، وليس على تصور مطلق للفقر. فالناس يصبحون فقراء تلقائياً، إذا ازداد الفارق بينهم وبين هؤلاء الموجودين على قمة السلم الاجتماعي، حتى لو كانت دخولهم - دخول الفقراء - تتزايد. المؤشر الحالي هو"أداة دعائية" الغرض منها الترويج لإعادة توزيع الدخل، من خلال إظهار أن الفقر عنيد لا يتزحزح أو أنه آخذ في الزيادة"، هذا ما يقوله "روبرت ريكتور من معهد" هريتيج فاونديشين". و"ركتور" لديه حق في الواقع فيما يقوله. فمكتب إحصاء السكان في الولايات المتحدة، توصل إلى إحصائيات قريبة من تلك الخاصة بمقترح الإدارة. في عام 2008 على سبيل المثال، كان معدل الفقر التقليدي 13.2 في المئة، أما التقديرات الخاصة للنطاق الإحصائي الجديد، فتصل إلى 17 في المئة ما يعني أن معدل الفقر الجديد يفوق القديم، وأن الفجوة تتزايد مع الزمن. من المشروع أن نناقش المقدار الذي يجب أن نساعد به الفقراء، أو نحاول تقليص جوانب عدم المساواة الاقتصادية، بيد أن ذلك النقاش يجب ألا يكون منحرفاً، يتم من خلال تقديم إحصائيات مضللة لا يستطيع حتى واحد من بين كل 100 ألف أميركي استيعابها. وما يجب التأكيد عليه في نهاية هذا المقال، أن الإحصائيات الحكومية يجب أن تسعى الى الحياد السياسي في المقام الأول، وهو ما فشلت فيه بشكل واضح، الإحصائيات المقدمة مؤخراً. روبرت صامويلسون ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محلل اقتصادي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"