حضر جورج ميتشل، مبعوث الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط وذهب، مرة أخرى، وما زالت محادثات السلام معلّقة. ويقول معلق إسرائيلي، هو "يوسي ساريد"، متأملاً، إن "النزاع الإسرائيلي الفلسطيني هوة سوداء تبتلع سفراء النية الحسنة عبر العصور". لا أستطيع أن أناقش في ذلك. الحروب الباردة تأتي وتذهب، وتعمل التقنيات الجديدة على تحويل العالم، لكن صدام الصهيونية والوطنية الفلسطينية في الأراضي المقدسة يتحدى الحلول. أما الآن فيعتقد نتنياهو أن الفلسطينيين معلقون على شجرة، ويعتقد الفلسطينيون أن نتنياهو "ثور مخادع". هل بدأت تشعر بالتفاؤل؟ أعترف أنني بدأت شخصياً أتفاءل، أو بالأحرى، بدأ الشعور الكامل باليأس فيما يتعلق "بعملية السلام" التي حضرت معها إلى إسرائيل بالتراجع. حسناً، ليس هذا تفاؤلاً بالضبط، لكن كل حسنة لها قيمتها في الشرق الأوسط. لم تكن رحلة ميتشل من غير فائدة. أفهم أن محادثات التقارب سوف تبدأ مرة أخرى الشهر القادم، حيث سيقوم فريق ميتشل بجولات مكوكية بين الطرفين. سوف تتوقف إسرائيل عن التحريضات، وسوف تَعِد بأن تكون واقعية. لكن ليس هذا سبب التحسّن في مزاجي. من الصعب الاحتفال بمحادثات التقارب بينما عقد الفلسطينيون والإسرائيليون محادثات مباشرة في الماضي. كلا، لكنني أكتشف تطورات ثلاثة: أولها أوباما، والثاني فياض والثالث "حبة السم المغطاة بالسكر"، والتي هي الوضع الراهن. نُقلت الأسبوع الماضي رسالة من أوباما إلى عباس، تكلّم فيها الأول عن التزامه بسلام الدولتين، وقال إنه إذا ما أفشلت إسرائيل الثقة بين الطرفين فلن تقف الولايات المتحدة في وجه قرار أممي يدين ذلك. لم تُعرّف أميركا الأعمال التي تفشِل الثقة، ولكن يبدو واضحاً أن أي تكرار لكارثة رامات شلومو المفاجئة، تحقق ذلك الشرط. تشكل إعادة أوباما تقييم دبلوماسية أميركا الشرق أوسطية هزة أرضية، خاصة وقد أخبره الجنود أنه بوجود ما يزيد على 200 ألف عسكري أميركي في دول إسلامية، فإن حل الدولتين يشكل مصلحة قومية حيوية لأميركا. هناك أيضاً تغيير حقيقي في فلسطين الناشئة. ففياض يشكل أهم ظاهرة في الشرق الأوسط. يستحوذ الأمن على تفكير فياض، وهو ليس استحواذا ينعكس في قوات الشرطة التابعة لسلطته في الضفة الغربية، وببناء مؤسسات الدولة والاقتصاد. وهو ليس مهتما بإظهار الفلسطينيين كضحية. السرد الروائي لا يطعم عائلة واحدة، فهو يريد مستقبلاً، وهو يؤمن بأن اللاعنف هو سبيل الوصول إلى الدولة. وهو يحصل على بعض المساعدة الاقتصادية من نتنياهو مقابل التعاون الأمني المستمر. ويستطيع فياض طمأنة الإسرائيليين إلى أنهم سيحصلون على دولة يُعتمَدُ عليها عبر الحدود. أما في إسرائيل فيقترح الاقتصاد المنتعش أن السلام ليس أولوية مهمة. لكن الاستطلاعات تُظهِر شعور الغالبية بأن الدولة تسير في الاتجاه الخاطئ. يُشعرني ذلك بأن لدى نتنياهو اهتماما بالانتقال من الوضع الراهن إلى الوضع الدائم. وقد سُئل ميتشل مؤخراً عن ذلك فقال: "أعتقد أن نتنياهو جاد وقادر ومهتم في التوصل إلى اتفاقية. ولكن ما لا أستطيع قوله هو ما إذا كان راغباً في الموافقة على ما نحن بحاجة إليه للوصول إلى اتفاقية". لا يجب الاستسلام بعد، حتى لو قال التاريخ و"حماس" إن السلام حلم وأن ميتشل هو التالي في تلك "الهوة السوداء". روجر كوهين محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كومون جراوند"