يوم الاثنين الماضي، أعلنت نتائج الانتخابات التي جرت في السودان خلال الفترة ما بين 11 و15 أبريل الجاري، حيث فاز عمر حسن البشير، رئيس "حزب المؤتمر الوطني" الحاكم بنسبة 68 في المئة من مجموع أصوات الناخبين. وعلى الرغم من أن تلك الانتخابات قد عورضت مقدماً، وانتقدت من قبل عديدين، إلا أنه مما لا شك فيه أنها ستسمح لهذا الشعب الذي مزقته الحرب، بالمضي قدماً نحو السلام الدائم، وتعزيز سعيه نحو الديمقراطية الحقيقية. ومن بين الانتخابات الخمسة والسبعين المضطربة والمختلف عليها، التي أشرف عليها "مركز كارتر" في مناطق مختلفة من العالم، تعتبر الانتخابات السودانية هي الأصعب والأكثر تعقيداً على الإطلاق التي يواجهها المركز حتى الآن. ويرجع ذلك لأسباب عديدة منها أن السودان بلد مترامي الأطراف، فطوله يبلغ 1200 كيلومتر وعرضه 800 كيلومتر، كما أن الأحزاب التي شاركت في الانتخابات تجاوز عددها 12 حزباً سياسياً بالإضافة إلى عدد من المرشحين المستقلين، وتسابق في الانتخابات أيضا نحو 15 ألف مرشح للفوز بمناصب على المستوى المحلي و الولاياتي، والوطني... وهو ما كان يتطلب إجراء ثماني عمليات اقتراع منفصلة في الشمال و12 في الجنوب. وإلى ذلك فإن الحرب الأهلية التي تواصلت في هذا البلد لما يقرب من ربع قرن، لم تنته إلا في عام 2005. كما لم يقم السودان بإجراء انتخابات حقيقية لمدة 24 عاما، بالإضافة إلى أنه لايزال يعاني انقسامات عميقة؛ قبلية، ودينية، وسياسية. والمراقبون التابعون لمركز كارتر، وبعضهم موجود في السودان منذ عام 2009، كانوا حاضرين في ولايات السودان الخمس والعشرين كلها. ويمكن القول إننا قد رأينا عملية اقتراع منتظمة بشكل عام، كما كنا نأمل، وأن المواطنين السودانيين قد خرجوا للإدلاء بأصواتهم بأعداد جيدة. بيد أنه كانت هناك، على الرغم من كل ذلك -وكما توقعنا منذ البداية- أخطاء ملحوظة في العملية الانتخابية، حالت دونها ودون استيفاء المعايير الدولية الصارمة. لكن يمكن القول إن هذه الانتخابات تمثل خطوة مهمة، ومطلوبة على الطريق نحو التنفيذ الكامل لاتفاقية السلام الشامل التي أنهت الحرب الأهلية والتي وقعت في نيفاشا بكينيا عام 2005، والتي تتطلب ضمن بنودها ضرورة إجراء استفتاء في عام 2011 لتقرير ما إذا كان جنوب السودان سوف يتحول إلى دولة مستقلة أم لا. وقد قرر عدد قليل من زعماء أحزاب المعارضة، بعد أن انتهت الفترة المحدد للحملات الانتخابية، عدم المشاركة في الانتخابات. وقامت المفوضية القومية السودانية للانتخابات بتذكيرنا بأن ذلك القرار يأتي بعد التاريخ النهائي الذي كان محدداً للانسحاب بشكل قانوني من الانتخابات. وقد منح هذا الناخبين الفرصة للتعبير عن تفضيلاتهم في كافة السباقات الانتخابية. وهناك ثلاثة أسباب للانسحاب من المشاركة في الانتخابات حددها لنا زعماء المعارضة، يمكن إجمالها على النحو التالي: الحيلولة دون هزيمة البشير، والتي كان يمكن أن تؤدي لو حدثت إلى أحداث عنف واسعة النطاق، تضع نهاية لاتفاقية السلام الشامل. والثاني؛ تجنب حدوث هزيمة محرجة لكبار المسؤولين السابقين الذين لم يحصلوا سوى على القليل من التأييد أثناء الحملات الانتخابية التي قاموا بها. والثالث نزع المصداقية عن العملية الانتخابية برمتها، وتجنب إضفاء شرعية على فوز الرئيس البشير الذي صدر بحقه أمر اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، بسبب ما هو منسوب إليه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية قيل إنها وقعت في دارفور. وهناك مشكلتان واجهناهما على الأرض، هما: قوائم الناخبين، ومواقع مراكز الاقتراع. فقوائم الناخبين اعتمدت على إحصاء سكاني معيب، وتم تعديل بياناتها باللغتين العربية والإنجليزية على الجانبين قبل الطباعة النهائية، ما أدى إلى تأخير توزيعها الذي تم قبل يوم واحد فقط من اليوم المحدد لانطلاق الانتخابات. علاوة على ذلك، تم تقليص عدد مواقع الاقتراع من 21,200 مركز إلى 16,500 مركز مما كان يعني أن كل 1000 ناخب مسجل قد خصص لهم موقع اقتراع واحد. وكان من الصعب على العديد من الأشخاص في ضوء هذه الظروف، العثور على أسمائهم في قوائم الناخبين، وكذلك العثور على مواقع الاقتراع التي سيدلون فيها بأصواتهم. ونتيجة لذلك، قامت المفوضية القومية للانتخابات بتمديد الفترة المخصصة للتصويت من ثلاثة إلى خمسة أيام للمساعدة على التخفيف من آثار تلك المشكلات. وقد عملنا من جانبنا على الحصول على قوائم كاملة بأسماء جميع الناخبين، وسوف نحاول تحديد ما إذا كانت هناك أي مشكلات لوجستية قد اختلقت عمداً للتحكم في شكل المحصلة النهائية للانتخابات. وأخيراً، كانت هناك تقارير رفعها بعض المراقبين عن حدوث حالات ترويع، خصوصاً في الجنوب، وكذلك عن مخالفات خطيرة للأصول المرعية، وافتقار للشفافية في عملية إعداد قوائم التصويت. ومع بعض الاستثناءات، تعتبر هذه الانتخابات سلمية، وهادئة، ومنتظمة نسبيا. ويجب علينا أن نهنئ شعب السودان، وما يقرب من 100 شخص من موظفي الانتخابات المخلصين، على نجاحهم في استكمال الحملات، والدورة الانتخابية ذاتها في ظل ظروف غاية في الصعوبة. ومن المحتم على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي أن يظلا منخرطين بعمق في السودان، وأن يصمما على ضرورة تنفيذ جميع عناصر اتفاقية السلام الشامل الموقعة بين الشمال والجنوب. هذا هو في تقديري الأمل الوحيد لهذا الشعب الشجاع، الذي عانى طويلا بما في ذلك أبناؤه الموجودون في دارفور، الذين أتيح لهم في نهاية المطاف تذوق جزء ولو يسير من طعم الحرية والسلام والديمقراطية. جيمي كارتر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم.سي.تي. إنترناشيونال"