الرأي العام الأميركي و إسرائيل
يُظهر استطلاع جديد للرأي صدر الأسبوع الماضي أنه إذا كان الإسرائيليون مازالوا يحظون بدعم قوي بين الجمهور الأميركي، فإنهم قلقون جدا لكون استمرار النزاع الإسرائيلي الفلسطيني يعرٍّض المصالح الأميركية للخطر عبر الشرق الأوسط، ولذلك فإن الجمهور يدعم موقف الرئيس أوباما المعارض لمخططات إسرائيل الاستيطانية. وهذه ليست سوى بعض أبرز خلاصات استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "زغبي إنترناشيونال" في الفترة بين السابع عشر والتاسع عشر من مارس وشمل 2471 أميركيا.
وفي ما يلي بعض الملاحظات التي يمكن استخلاصها من نتائج الاستطلاع والتي تشير إلى دروس ينبغي استيعابها.
- التأييد الشعبي لإسرائيل مرتفع لكنه آخذ في الانخفاض، وكذلك الحال بالنسبة للفلسطينيين. في 2009، كان لدى 71 في المئة من الأميركيين رأي إيجابي عن الإسرائيليين مقابل 21 في المئة فقط كان لديهم رأي سلبي؛ غير أنه في 2010، انتقلت معدلات التأييد الشعبي إلى 65 في المئة مقابل 29 في المئة. ويعزى ذلك إلى تراجع كبير بين الديمقراطيين الذين لديهم رأي إيجابي عن إسرائيل. هذا بينما تعد شعبية نتنياهو بين الديمقراطيين أسوأ حالا: 20 في المئة مقابل 63 في المئة.
بيد أنه خلال الفترة نفسها، انخفضت أيضا مواقف الجمهور الأميركي تجاه الفلسطينيين ورئيس السلطة عباس. ففي 2009 كان 25 في المئة من الجمهور ينظرون إلى الفلسطينيين نظرة إيجابية مقابل 66 في المئة. أما اليوم، فيبلغ معدل التأييد 21 في المئة مقابل 73 في المئة.
هذه الأرقام المنخفضة تشير إلى فشل الفلسطينيين المستمر في إشراك الرأي العام الأميركي؛ ذلك أنه بينما يروي الإسرائيليون قصتهم بقوة، فإن الفلسطينيين، والعرب عموما، لا يفعلون ذلك. ولا شك أن السبب هو الطريقة غير المتوازنة التي تغطي بها الصحافة والشبكات الإعلامية الأميركية الرئيسية قصة النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، غير أنه في هذا العصر حيث توفر "وسائل الإعلام الجديدة" إمكانيات جديدة، وحيث باتت العديد من شرائح الجمهور الأميركي (الشباب، النساء، الأقليات) أكثر انفتاحا لسماع سرد مضاد للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
- الأميركيون قلقون جدا لأن استمرار النزاع يعرض الولايات المتحدة للخطر عبر الشرق الأوسط.
هذه هي النقطة الأساسية حيث كان ثمة إجماع وطني واسع إذ يتفق أكثر من 80 في المئة من الأميركيين على أن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني مهم، على أن نسبة مماثلة ترى أن استمرر النزاع يعرض المصالح الأميركية للخطر. وفي ظل وجود جنود أميركيين في العراق، وبعد العواقب المزعزعة للاستقرار، فإن القلق ينتاب الأميركيين الذين مازالوا لا يفهمون تماما تاريخ المنطقة ولا يدركون جيدا قصة الفلسطينيين، لكن كما تقول أغنية بوب ديلان، فـ"إنهم يعرفون أن ثمة خطْباً ما، لكنهم لا يعرفون ما هو بالضبط".
وفي هذا السياق، يصبح من المهم تأمل التحذير الذي أصدره قائد القيادة المركزية الأميركية بترايوس، حين لفت الانتباه إلى المدى الذي يعرٍّض به النزاع الإسرائيلي الفلسطيني الولايات المتحدة للخطر، وبذلك يكون بترايوس قد عبَّد الطريق لنقاش عام حول أهمية تسوية النزاع. غير أن نتيجة هذا النقاش ليست مضمونة إذا لم يغتنم العرب هذه الفرصة ليشركوا الجمهور ويحكوا قصتهم ويقدموا حلولا مقبولة.
- أغلبيات تعرف أن المستوطنات غير جيدة ويجب وقفها، لكن عددا مهما من الأميركيين لا يزال لا يفهم النزاع.
بهامش 40 إلى 34 في المئة، يقول الأميركيون إن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة أمر خاطئ. وبهامش 40 إلى 26 في المئة، يقولون إن على الرئيس أن يكون صارما مع إسرائيل حتى توقف بناء المستوطنات. وعلاوة على ذلك، فإن 51 في المئة من الأميركيين قلقون لأنه عندما تكون الولايات المتحدة غير قادرة على وقف المستوطنات الإسرائيلية، فذلك يُضعف وضعها في العالم.
ولئن كانت هذه الأرقام تشير إلى اتجاه إيجابي وتُظهر دعم كل من الديمقراطيين والمستقلين لموقف أميركي أكثر حزما وصرامة، فثمة ملاحظتان مهمتان:
أولا، ثمة انقسام كبير بين الحزبين إذ يعارض ثلثا الديمقراطيين السياسات الإسرائيلية مقارنة مع ثلثي الجمهوريين الذين يؤيدون ما تقوم به إسرائيل.
ثانيا، من المهم لفت الانتباه إلى ثلث المستجوَبين الذين ليس لديهم رأي واضح حول أي من هذه المواضيع. فكثير من الأميركيين ليس لديهم سبب قوي لتبني موقف ثابت. والمسؤولية هنا تتحملها الإدارات الأميركية المتعاقبة التي أعلنت معارضتها للمستوطنات دون أن تشرح وجهة نظرها بما يكفي من القوة، مثلما يتحملها الجانب العربي لفشله في رواية قصته.
والخلاصة هي أن استطلاع الرأي هذا يمثل تحديا لإشراك وإعلام جمهور ينتابه قلق كبير، لكنه لايزال لا يعرف كيف يرد على استمرار النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وهو تحد كبير تجب مواجهته.