كثر الاهتمام في العقود الأخيرة من جانب العديد من العلماء والمفكرين بدراسة موضوع التخلف الذي تعاني منه الأمة الإسلامية وذلك لأسباب عدة: أولاً: لأن الأمة الإسلامية أمة ذات حضارة عريقة قادت الحضارة الإنسانية على مدى قرون طويلة. ثانياً: لأنها أمة تمتلك كل مقومات النهضة الحضارية والروحية القابلة لقيادة العالم من جديد إلى كل ما فيه خير للبشرية.
ومن هذا المنطلق أصبح موضوع تخلف المسلمين من أكثر المواضيع إثارة للجدل، ولا أبالغ إذا قلت إن العقل الإسلامي ومنذ عقود عدة يحاول جاهداً تفكيك رموز هذه الحالة، وتحليل أسباب هذه الظاهرة، ظاهرة التخلف التي تعني مجازاً مجموعة المشكلات التي يعاني منها الجسد الإسلامي بكل إشكالياته. وقد سعى الكثير من العلماء والمفكرين إلى وصف وتفسير وتحليل التغيرات والتحولات التي مرت بها الأمة الإسلامية بمراحلها التاريخية المختلفة. وقد توصل جميعهم في رحلة الاستكشاف حول تفكيك رموز حالة التخلف إلى أن هناك عاملين كان لهما التأثير المباشر في تكريس حالة التخلف في الجسد الإسلامي.
العامل الأول: داخلي، ويأتي في مقدمة أسبابه غياب الدور الحقيقي للإسلام في حياة المجتمعات الإسلامية، حيث تحول الإسلام فيها إلى نصوص تحفظ وشعارات تكتب دون تطبيق، وآيات قرآنية تقرأ بعيون ميتة، وعبادات تؤدى دون عمل، وممارسات سلوكية بعيدة عن جوهر العمل الإسلامي، وأمة تعمل بنسبة خمسة في المئة مما يحثها الإسلام عليه، أمة تعيش عالة على الآخرين، على رغم كل مقومات النهضة وعوامل التقدم التي قد تجعلها في غنى عن الآخرين.
السبب الثاني: موضوع الاجتهاد، والذي ظل قرونا طويلة في حالة توقف وجمود وإغلاق، مما انعكس مباشرة على فاعلية الحراك الإسلامي واستراتيجية العمل الإسلامي وأصاب بنية المجتمع الإسلامي بحالة من الشلل. هناك عشرات من القضايا المهمة التي تحتاج إلى حلول عاجلة لعلاج إشكاليات التخلف في المجتمع ظلت قرونا طويلة معلقة دون تحريك بفعل هذا الجمود. ويأتي دور العلماء ليشير إلى السبب الثالث في معادلة التخلف، وأقصد هنا العلماء الذين يفسرون الإسلام بصورة خاطئة أو يقفون عقبة في مسيرة التطور. ثم يأتي دور الاستبداد السياسي ليرسخ حالة التخلف الداخلي.
العامل الثاني: الخارجي، والذي جاء ليزيد من حالة التخلف ويضخم من دائرته بشكل أكبر وأخطر، حيث مثلث الحملات العدوانية التتارية والصليبية التي واجهها العالم الإسلامي على مدى تاريخه، آثاراً سلبية خطيرة تكرست آثارها بدخول الاستعمار الأوروبي إلى حلبة الصراع في القرن التاسع عشر، حيث عمل بامتياز على استعمار العالم العربي والإسلامي، ونهب ثرواته ومحو هويته ولغته العربية، وتكريس حالة من الجهل بين شعوبه والسطو على عقوله. والنقطة الجوهرية التي عمل جيداً على العبث بها هي التعليم والقضاء، حيث تم تجريد التعليم من الدين واللغة، وفصل نظام القضاء عن أسسه الشرعية التي تستهدف الشريعة الإسلامية ووضع قوانين أخرى تخالفها، والعمل على هدم البنية الإسلامية من الداخل عن طريق تغذية الانقسامات والتحزبات العنصرية، والتجمعات الإقليمية والخلافات المذهبية، وتشجيع الحركات المضادة للإسلام، وتقسيم العالم العربي والإسلامي إلى دويلات صغيرة يمكن السيطرة عليها والتحكم في مقدراتها عن بعد. ولا زالت هذه السياسة تمارس حتى اليوم، ولكن وفق إطار جديد وروح جديدة وأسلوب جديد، وهو ما يسمى بالاستعمار النفسي، والذي نجح في تطويع العديد من أبناء الإسلام ليصبحوا صواريخ موجهة ضد الإسلام، وأقلاماً تكتب ليل نهار فقط لتكسب رضا المستعمر، والعمل على ترسيخ قيمه وثقافته وتقاليده، وإضفاء الطابع الغربي في جوانب مجتمعاتنا الإسلامية والقبول حتى بالمحرمات منه والتي من المفترض أن ينتفي وجودها في المجتمعات الإسلامية.
إن الخروج من حالة التخلف يتطلب لغة جديدة وعلاجاً شاملاً لحالة العقل الإسلامي وتوحيد الجهود العربية والإسلامية بحيث تكون الأمة الإسلامية وحدة واحدة. وهذا أمر يحتاج إلى نسبة عالية من الإرادة والعزيمة، والصحوة والتفكير الجيد، وتجاوز كل الهموم والتحديات، وإعادة النظر في موضوع الإصلاح الداخلي والذي لابد أن يكون بيد أبناء الإسلام دون تدخل خارجي. لابد أن تتسع دائرة الحرية والديمقراطية، وأن تكون هذه الديمقراطية واضحة وصريحة، وأن يتم توظيف ثروات الأمة الإسلامية بشكل صحيح، وإعطاء العلماء دورا أكبر في الحياة الاجتماعية والسياسية. لابد من تطوير التعليم والإنفاق بسخاء على البحث العلمي والوقوف صفاً واحداً ضد أي تدخل خارجي.