نشبت مؤخراً الأزمة الأسوأ بين أميركا وإسرائيل منذ العدوان الثلاثي في عام 1956، لتتحول بسرعة إلى تحدٍ حقيقي للعلاقة بين الطرفين، وخاصة بعد الانزعاج الأميركي المتفاقم، ليس من القيادة السياسية فحسب بل من المؤسسة العسكرية الأميركية أيضاً، وهي التي تحظى عادة بتقدير جميع الأميركيين بسبب تجشمها أعباء الحروب والتضحيات. وقد انضمت إلى الموقف الأميركي المنزعج اللجنة الرباعية، التي نددت هي أيضاً بإسرائيل للمرة الأولى بسبب بناء المستوطنات. والحال أن هذه الأزمة التي يقلل من شأنها أوباما وكذلك وزيرة خارجيته كلينتون، بسبب العلاقة التاريخية بين البلدين الحليفين، لم تكن فقط بفعل الصفعة التي وجهتها إسرائيل لبايدن، بل هي لانزعاج واستياء من تل أبيب في صفوف المؤسسة العسكرية الأميركية التي تعد تقليدياً هي أقوى وأهم مؤسسة ولوبي ضاغط في بلاد "العم سام". ومعروف أن المؤسسة العسكرية الأميركية أقوى بكثير من اللوبي الصهيوني الذي يتحكم في القرار السياسي الأميركي، ويرسم توجهات سياسة واشنطن في الشرق الأوسط، لمصلحة إسرائيل على الدوام. ولا حاجة للتذكير هنا بتحكم لوبي AIPAC المعتاد في مفاصل القرار في واشنطن، وعلى حد وصف معه أحد المحللين الأميركيين الكونغرس الأميركي بأنه تحول عملياً إلى "مناطق محتلة" Occupied territories. وقد سجل تطوران مهمان على المستوى العسكري يرسمان مشهداً غاضباً من الكيفية التي باتت بها الرعونة الإسرائيلية، بما فيها من استفزاز وتعنت، تهدد مصالح أميركا، وحياة جنودها في مناطق العمليات العسكرية في المنطقة. وهذان التطوران، أو الموقفان العسكريان من الجنرالات الأميركيين ضد إسرائيل، رصدهما الكاتب الأميركي مارك ببري عندما قدم، بشكل غير مسبوق، عرضاً موثقاً لقائد الأركان مايكل مولين في يناير الماضي بتكليف من الجنرال ديفيد بترايوس قائد القيادة المركزية في الشرق الأوسط، بعد جولة قام بها فريق عسكري أميركي في ديسمبر 2009، وما استنتجه الفريق من اللقاءات مع بعض القادة في المنطقة من "شعور متزايد بالإحباط، وبأن أميركا ليست ضعيفة فقط، بل ثمة إحساس بأن قدراتها العسكرية في المنطقة تتراجع". وهذا التقييم العربي المزعج لواشنطن، أتى حتى قبل التعنت الإسرائيلي حول المستوطنات، والاعتداءات على المسجد الأقصى وكنيس الخراب وضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال للتراث العبري. ولأن أميركا عاجزة عن الوقوف في وجه التعنت الإسرائيلي فقد العرب الثقة في وعودها. وشمل الانتقاد أيضاً حتى مبعوث أوباما، ميتشل، الذي وصفه قائد عسكري أميركي كبير بأنه "طاعن في السن، وبطيء، وتحركه تأخر كثيراً" ولم يحقق أي إنجاز. ولهذا السبب تم إرسال رئيس هيئة الأركان العامة الأميركية إلى تل أبيب لنقل وجهة النظر الأميركية الغاضبة. وكانت الرسالة للإسرائيليين واضحة: "على إسرائيل أن ترى الصراع العربي/ الإسرائيلي بشكل شامل، وبتأثيره على مصالح أميركا وحربها في العراق وأفغانستان". وأن "تأثير سياساتها سلبي على موقف أميركا في المنطقة". ولكن إسرائيل لم تتعاون وردت بصفعة مدوية لإحراج واشنطن، من خلال الإعلان عن بناء 1600 وحدة سكنية في القدس الشرقية عند وصول بايدن. وهي التي كانت قد أحرجت إدارة أوباما عندما لم تستجب لمطالبته بتجميد الاستيطان. وكما تقول صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية فقد وبخ بايدن بقوة نتنياهو مؤكداً أن: "الكثير من المسلمين يربطون بين التصرفات الإسرائيلية والسياسة الأميركية، وأن تصرفات إسرائيل تهدد حياة جنودنا في المنطقة الذين يقاتلون الإرهاب. وهذا يشكل خطراً بالنسبة إلينا". والتطور الغاضب الآخر من المؤسسة العسكرية كان من الجنرال بترايوس نفسه الذي عبر في شهادته أمام لجنة خدمات القوات المسلحة المهمة في مجلس الشيوخ الأميركي، في 16 مارس الجاري، عما كان قد تخوف منه في يناير الماضي. فبالإضافة إلى حديثه في شهادته عن العراق وهشاشة الوضع فيه، وإيران وخطر برنامجها النووي، أسهب أيضاً في التعبير عن مخاوفه من أن "تعثر عملية السلام والخلافات بين إسرائيل وجيرانها يشكلان تهديداً كبيراً لتحقيق مصالحنا في مناطق العمليات. إن التوتر والعنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين يولد مشاعر معادية للولايات المتحدة بسبب ما يراه العرب من تعاطف أميركي مع إسرائيل. كما أن الغضب والإحباط العربيين من حل المشكلة الفلسطينية باتا يحدان من عمق الشراكة بين واشنطن وحكومات وشعوب المنطقة". والحاصل من كل هذا أن أميركا شخصت الداء، وتعلم ما هو المطلوب، والأهم استراتيجية وأهمية إيجاد حل جذري ونهائي للصراع العربي/ الإسرائيلي، ومنح الفلسطينيين دولة قابلة للحياة مما سينعكس إيجاباً على المنطقة، ويساهم في رفع أسهم أميركا وتخفيف الاحتقان في الملفات الأخرى، وسحب البساط من تحت خصومها في المنطقة من اللاعبين الدول ومن غير الدول. إن التحدي الماثل أمامنا كعرب، مع تفاقم الاحتقان بين واشنطن وتل أبيب، هو كيف نقرأ ونوظف هذا الخلاف لتحقيق اختراق بهدف ترجيح كفة السلام في الذكرى السابعة لحرب العراق، والثامنة لتقديم المبادرة العربية التي أطلقتها قمة بيروت؟ سؤال برسم من بيدهم القرار! Summary محمود