الطبقة الوسطى...من؟
إذا ما سلمنا جدلاً بظهور بوادر لتشكل طبقي جديد في مجتمع الإمارات، فلابد وأن يكون قد تواجد فيه عدد من المجموعات الاجتماعية المتراتبة، تبدأ من قاعدة الهرم مروراً إلى وسطه وانتهاءً بقمته. هذا التراتب يشمل عدداً من الطبقات التي يمكن وضع تقسيمات لها قد تصل إلى سبع إذا ما أردنا الأخذ في الاعتبار المساحات التي تتداخل فيها أكثر من طبقة مع بعضها بعضا، لكي ينتج لدينا مسمى محدد، كالقول بوجود طبقة متوسطة عليا أو طبقة متوسطة دنيا وفقاً للطرح والتحليل المراد التركيز عليه.
لكن بشكل عام يُبرز المتعاملون مع شؤون دراسات الطبقة، ثلاثة تقسيمات رئيسية، هي الطبقة الدنيا والطبقة الوسطى والطبقة العليا. وفي أي مجتمع إنساني تشكل الطبقة الوسطى عصب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فمن هي تلك الطبقة الوسطى في مجتمع الإمارات؟ وهل هي موجودة حقاً؟ وكيف يمكن تصنيف أفرادها بأنهم ينتسبون إليها فعلاً وليس إلى طبقات أخرى؟
في مجتمع كمجتمع الإمارات يغلب على خصائصه الأساسية الطابع القبلي، ويغلب على تفكير سكانه الأصليين بأنهم متساوون من الناحية الاجتماعية، والرغبة في التكافل والتعاضد ربما إلى حد العاطفة، ليس من السهل تحديد من هي الطبقة الوسطى، ومن هم الأفراد الذين ينتمون إليها عن طريق الإشارة إليهم بالبنان بأنهم أعضاؤها. ويصعب أيضاً تحديد محتوى الطبقة وكونها وسطى أم غير ذلك في بلد ينعم برخاء اقتصادي ووفرة في الموارد الاقتصادية، وفي تبني اقتصاد تختلط توجهاته بين كونه رأسمالياً حراً من جانب وكونه اقتصاد دولة رفاه.
من جانب آخر ما هي المنطلقات التي نعتمد عليها في تصنيف الطبقة الوسطى الجديدة؟ هل هي المنطلقات السياسية أم المنطلقات الاقتصادية؟ فهذه الإشكالية تحتاج إلى وضع توصيفات واضحة لمن ينتمون إلى الطبقة الوسطى وللمعايير والأسس التي يصنفون على أساسها، ومن ثم اختبار هل يصدق ذلك في حالة مجتمع الإمارات، أم أنه مجتمع له خصوصياته التي لا تنطبق عليه مع وجود العديد من المقولات والطروحات والنظريات التي ساقها علماء الاقتصاد والاجتماع والسياسة في الغرب.
وربما أن المعايير الاقتصادية الجديدة هي الأقرب إلى تفسير وجود طبقة وسطى في الإمارات، لكن ذلك أيضاً له جوانب خافية يصعب معها تحديد مصادر دخل الأفراد ومقاديرها والصورة التي تتجلى بها أو تنعكس فيها. فمالك لقطيع مثلاً عندما تنظر إليه للوهلة الأولى لن تستطيع أن تقدر ثروته، لكنه في الواقع لديه ثروة طائلة إذا ما كان من بين أفراد قطيعه عشرون من الأصايل الأقحاح التي يندر وجودها لدى الآخرين. والدليل على ذلك ما لمسناه من مزاينة إبل الظفرة قبل أسابيع حين بيعت بعض الإبل بأسعار تعدى ثمن الواحدة منها في حالات معينة، خمسين مليون درهم للناقة الواحدة. فكيف يمكن قياس طبقة الإمارات الوسطى أو تحديدها على ضوء مثل هذه الحقائق التي تغيب عن إدراك أكبر جهابذة الأنثروبولوجيا الاجتماعية ومصادر ثروتها وأماكنها الفعلية في التراتب الطبقي للمجتمع؟ هذه التساؤلات ستبقى لأن مجتمع الإمارات له خصوصياته فيما يتعلق بطبيعة تشكله الطبقي، وربما ترك الإجابات عليها للقراء ومنابرهم شيء فيه تحريك للحوار الاجتماعي حول المسألة.