خطر البيع المتجول: السوق النووية السوداء
صدر كتاب "خطر الانتشار النووي" للتو عن دار "سايمون آند تشوستر " للطباعة والنشر، وهو في الأساس من مطبوعات وبحوث "معهد العلوم والأمن الدولي". الكتاب من تأليف ديفيد أولبرايت، ومساعدة عدد من الباحثين في المعهد، ويكشف كيف ساهمت الدول في توسيع خطر الانتشار النووي، عن طريق الاتجار غيرالمشروع بالمواد والتكنولوجيا النووية، دون أن يفعل المجتمع الدولي شيئاً لوقف تلك الممارسات الخطيرة على السلم والأمن الدوليين، لكونها تعبر عن اتجاه عدد من الدول سراً نحو تطوير سلاحها النووي. وتشمل المراجع التي اعتمدت عليها هذه الدراسة، مجموعة كبيرة من الوثائق، بما فيها بوليصات الشحن والاستلام، ومستندات الشراء، إضافة إلى الخطط الموضوعة بشأن تطوير الترسانات النووية. كما شملت الصور الملتقطة بواسطة الأقمار الاصطناعية لبعض المواقع والعمليات النووية السرية. إضافة إلى ملفات المحاكم التي نظرت بعض القضايا ذات الصلة بالاتجار النووي، فضلاً عن اللقاءات التي أجراها المؤلف مع أطراف في هذه التجارة السرية.
ويشرح المؤلف تفاصيل التداخل بين سهولة الأموال المتوافرة لشراء التكنولوجيا والمواد النووية والخطط الحربية المرتبطة بها من السوق السوداء، وضعف الرقابة الدولية على الاتجار السري بهذه المواد. ويستنتج أن دولاً سماها استفادت من هذه البيئة، لاسيما كوريا الشمالية وعراق صدام، إضافة إلى جهود الجماعات الإرهابية للحصول على قنبلتها النووية.
ويفرد المؤلف مساحة واسعة لدراسة العلاقة بين عبد القدير خان وعراق صدام بصفة خاصة. فعندما احتشدت جيوش التحالف الدولي، الذي خاض ضده حرب الخليج الأولى، فكّر صدام جدياً في شراء "حزمة نووية" عبر صفقة بلغت قيمتها 150 مليون دولار في عام 1990. ولم تقتصر تلك الحزمة على تصميمات الأسلحة النووية فحسب، بل شملت كذلك بناء المفاعلات ومواقع الإنتاج، إضافة إلى الخبراء الأجانب الذين سيشرفون على صنع القنبلة النووية، وفقاً لما جاء في وثائق كشف عنها مؤخراً عضو سابق في فريق التفتيش عن الأسلحة النووية التابع للأمم المتحدة. ومن جانبه أكد "خان" للقيادة العراقية آنذاك أنه سوف يكون بوسعها الحصول على قنبلتها النووية خلال ثلاث سنوات فحسب من تاريخ إبرام الصفقة المذكورة. كما كشفت بعض الوثائق أن العروض التي قدمها "خان" لصدام، كانت أكثر شمولاً مما كان يعتقد، خاصة وأن جوانب عديدة من هذا التعامل النووي بين خان والقيادة العراقية، قد تناولتها الصحف اليومية وبعض الكتب المنشورة. فقد تسربت إحدى مذكرات المخابرات العراقية في أواخر التسعينيات، نوقشت فيها خطط تفصيلية لكيفية تمكين العراق من تخطي العقبات التكنولوجية أمام صنع القنبلة النووية في زمن قياسي، وبتكلفة معقولة جداً. وتبدأ إحدى المذكرات التي رفعت عنها السرية مؤخراً بالقول: لقد تعين على باكستان الانتظار عشر سنوات وإنفاق حوالي 300 مليون دولار قبل أن تتمكن من صنع قنبلتها النووية. أما اليوم، وبفضل الخبرة العملية، وشبكة العلاقات الدولية الواسعة التي طورتها باكستان، فقد أصبح ممكناً للعراق صنع قنبلته النووية في زمن قياسي لا يتجاوز ثلاث سنوات فحسب، بينما لا تتعدى التكلفة الكلية نحو 150 مليون دولار.
لكن قبل ذلك العرض المقدم من خان، كان العراق قد قطع شوطاً في العمل على قنبلته النووية، استعداداً لمواجهة تصاعد خطر حرب أميركية ممكنة عليه. وبالنتيجة، تمكن العلماء العراقيون حينها من الحصول على كمية محدودة من اليورانيوم المخصب القابل للاستخدام في صنع القنبلة النووية، لكنهم كانوا يفتقرون إلى كثير من المكونات الرئيسية الأخرى، بما فيها عدم توافرهم على تصميم عملي لصنع الرؤوس الحربية النووية.
ويذكر أن خان الذي كان قد احتفت به بلاده باعتباره "أب القنبلة النووية الباكستانية"، قد وضع تحت الإقامة الجبرية في منزله، عقب اعترافه بالتورط في شبكة دولية متخصصة في تهريب التكنولوجيا النووية. وهذا هو الخطر الأكبر الذي يناقشه المؤلف، خاصة وأن بعض التنظيمات الإرهابية -لا سيما تنظيم "القاعدة"- لا تكف عن السعي وراء القنبلة النووية.
عبدالجبار عبدالله
الكتاب: خطر البيع المتجول: كيف يسلّح الاتجار النووي غير المشروع أعداء أميركا
المؤلف: ديفيد أولبرايت
الناشر: دار "سايمون آند تشوستر" للطباعة والنشر
تاريخ النشر: 2010