الوهم الجديد
التحالفات تتغير بتغير المصالح، لكن هل ما يحدث في الكويت من محاولات لترويج فكرة توحش القبيلة، يمثل تغيراً في صيغة التحالفات؟ وهل ثمة توجهات استراتيجية تتطلب تقليم أظافر القبيلة؟ التحالف والتنافس بين مختلف الشرائح الاجتماعية، هو أحد معالم تاريخ المنطقة، كما أنه صيغة سياسية متعارف عليها، ولا تشكل خصوصية ننفرد بها في الكويت دون غيرنا. لكن هناك من ينظر لما يحدث في الكويت حالياً على أنه نهاية تحالف تاريخي، بدليل أن ثمة تغيرات كبيرة طالت بنية القبيلة ذاتها، وشملت الكثير من العلاقات ومراكز القوة.
ولا يخفى علينا أن الديمقراطية حققت الكثير لمركز القبيلة، وبالتالي فما نشهده هو تحول في نموذج الحراك السياسي في المجتمع بأسره، لأن التحولات الاجتماعية فرضت وجودها وغيرت من تركيبة المجتمع، مما دفع بالرموز القبلية إلى صفوف المعارضة بدلا من رموز المدينة التي دخل معظمها في تصالح سياسي اقتصادي، وفرضت المصالح المشتركة تغيراً في مراكز القوة في المجتمع.
عالم الاجتماع ابن خلدون هو من شرح لنا علاقة البادية بالمدينة. لكن من المهم أن ندرك أن ظاهرة التوحش هي ظاهرة بشرية لا علاقة لها بالعرق، حيث البشر دائما بحاجة إلى قانون ينظم حياتهم، وبغياب القانون يسود التوحش الذي يضعف مقومات الدولة المدنية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يمكن ترويض القيم القبلية لصالح مشروع الدولة، فيما لو وجد مشروع وطني حقيقي يسعى للاندماج؟
واقع الحال أنه لم يكن لدينا في الكويت مشروع للانصهار وتجيير القيم التقليدية لصالح الدولة، وهنا تكمن الأزمة الحقيقية الخافية على البعض. والخطر الذي يروج له البعض هو نوع من التحريض ضد القبيلة، وهو تحريض مبطن لنوايا خاصة، حيث يسوق ذلك البعض لنفسه باعتباره الحليف البديل. وفي ظل هذا الفهم القصير لطبيعة التحولات الاجتماعية، تزداد احتمالات وقوع بعض التمزق الاجتماعي، وهو بالطبع ما يتنافى مع أهداف الاندماج ومقاصد التنمية المنشودة التي تعمل الحكومة في سبيل الوصول إليها.
القيم القبيلة، كالشهامة والكرم والمروءة والشجاعة والتفاني والترابط... كان من الممكن استثمارها لصالح بناء المشروع الوطني في النهوض بالدولة الحديثة، إلا أن العقل التقليدي لا يرى في معادلة المواطنة ما يخدم مصالح الحكم، بل يرى في قوة مفهوم المواطنة إضعافاً لصيغة الدولة كما يريدها، لذا نجد أن ثمة لعبة للتمزق الاجتماعي غير مرئية لصانع القرار، والذي يبدو أنه غير مدرك لخطورة اللعب في مكونات المجتمع، لاسيما أن ما نشهده في عالم العولمة يمثل حالة من التراجع نحو العودة إلى الأطر التقليدية واندفاعاً قوياً نحو الحركات الشفونية مما لا تتحمله مجمعاتنا ويعرضها لخطر الانكسار في بنائها الاجتماعي.
دعونا نفكر بروية كي ندرك بأن مكونات المجتمع الكويتي كلها مكونات فاعلة، وكلها وطنية تريد الصالح العام في ظل دولة ترفع شعار الوحدة الوطنية وتدفع ببرامجها نحو الاندماج. ونتمنى ألا ننساق وراء تكتيكات قصيرة المدى تقود إلى الانقسام، لأنها لا تخدم مصالحنا المشركة.
إن القبيلة مكون أساسي للمجتمع، وأبناؤها لديهم المهارة، وهم اليوم يشاركون الجميع في عملية البناء، وليس من الإنصاف أن نهمش ذلك الدور، لكن ما نحتاجه هو فهم جديد لطبيعة التغير في المجتمع وليس عزل فئة لصالح مشروع وهمي لا يخدم مصلحتنا الوطنية.
ولعلنا ندرك خفايا توجهات الازدواجية، وخطورة الانسياق السريع وراء وهم لا يأتي من ورائه سوى الخراب والدمار للجميع.