في يوم المرأة: صحة النساء على المحك!
نتيجة للاختلافات الهرمونية والتشريحية تتعرض النساء لأمراض ومشاكل صحية تختلف أحياناً عن تلك التي يتعرض لها الرجال. فعلى سبيل المثال نجد أن المشاكل الصحية المتعلقة بالطمث، وصحة الأم أثناء الحمل، وأثناء وبعد الولادة، وخلال سن اليأس، بالإضافة إلى سرطان عنق الرحم، والرحم، والمبيضين، وبقية أمراض الجهاز التناسلي لدى المرأة، هي مشاكل مقصورة فقط على النساء. وحتى في بعض الأعضاء المشتركة بين الجنسين مثل الثدي، نجد أن معدلات الإصابة بسرطان الثدي مثلا بين النساء، أعلى بكثير من احتمالات إصابة الرجال به. وزيادة على تلك الاختلافات الهرمونية والتشريحية، نجد أيضاً أن مشاكل المرأة الصحية تختلف عن تلك التي يتعرض لها الرجال، بسبب ظروف اقتصادية، وعوامل اجتماعية وثقافية أحياناً. فعلى سبيل المثال، بسبب انخفاض الدخل الفردي للنساء مقارنة بالرجال، أو التمييز بناء على الجنس في تقديم الخدمات الصحية، نجد أن سهولة المنال، أو إمكانية الوصول (accessibility) للرعاية الصحية بالنسبة للنساء، تعتبر أقل منها مقارنة بالرجال.
وهذه القضية بالتحديد كانت محور اليوم العالمي للمرأة (International Women's Day) لهذا العام، الذي حل في الثامن من شهر مارس الحالي، وذلك بهدف حث وتحفيز دول العالم وشعوبه، على التمعن والتفكير ملياً في كيفية وضع النظم، وتوفير الرعاية الصحية، بشكل يمنح الإناث حقوقاً وفرصاً متساوية مع الذكور، من خلال مكافحة أشكال التمييز، والتفاوت، والتباين، واللاتساوي، الذي ينعكس سلباً على صحة النساء والفتيات حول العالم. فبعد ثلاثين عاماً من تبني واعتماد اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، المعروفة اختصارا بـ"سيداو" (CEDAW) ، لا زالت العديد من النساء والفتيات لا يتمتعن بفرص متساوية للحصول على حقوقهن التي كفلتها لهن القوانين. فلا زالت المرأة في العديد من دول العالم لا تتمتع بحق تملك عقارات وأصول، أو أن ترث أراضي عن ذويها أو زوجها. وفي دول أخرى، لا زالت المرأة تتعرض للاستبعاد والاستثناء الاجتماعي، ولما يعرف بالقتل من أجل الشرف، ولتشويه أعضائها الجنسية الخارجية واستئصالها من خلال ما يعرف بالخفاض، وللاتجار والمتاجرة بغرض الاستعباد الجنسي والتوظيف في الدعارة، وكذلك الزواج المبكر للفتيات حتى قبل أن يصلن سن البلوغ، ولمنع وتحديد حركتهن وانتقالهن داخل مدن الدولة الواحدة، وداخل المدينة نفسها، وتضييق خياراتهن الصحية في مجالات طبية، مثل تحديد النسل، والحمل، والإجهاض لأسباب طبية. ومثل هذه الظروف والعوامل تضع صحة النساء والفتيات على المحك، وتتسبب لهن في معدلات إعاقة ووفيات أعلى منها بين الرجال في ظل الظروف نفسها، ليس لسبب إلا لاختلافهن في الجنس.
إن هذه الصورة السوداوية تتضح بشكل جلي مثلا، من خلال ما يعرف في المئة مليون امرأة المفقودات (100 Million Missing Women)، في إشارة إلى عدد الإناث اللاتي يعتقد أنهن أجهضن كأجنة، أو وئدن بعد ولادتهن. في الحالة الأولى، أي إجهاض الإناث، يتم التعرف على جنس المولود أثناء الحمل، فإذا ما كانت أنثى غير مرغوب فيها، يتم إسقاط الجنين بالوسائل الطبية، أو حتى غير الطبية. أما في الحالة الثانية، فيتم القتل أو الوأد، بعد أن تتم الولادة بساعات أو أيام، وأحياناً بشهور وأعوام. وكما هو واضح يعتبر الإجهاض أثناء الحمل بسبب جنس المولودة جريمة حديثة العهد، حيث لم تكتشف طرق الكشف عن جنس الجنين إلا منذ زمن قصير. وأشهر هذه الطرق، وأكثرها استخداماً على الإطلاق، هو الفحص بالموجات فوق الصوتية، التي يمكن عن طريقها تحديد جنس المولود بدقة شبه تامة، ويمكن أيضاً في المراحل المتقدمة من الحمل أخذ عينة من السائل المحيط بالجنين، الذي يمكن من خلاله التعرف على جنسه، ومن ثم إجهاضه إذا كان من الجنس (غير المرغوب فيه).
وبخلاف الأمراض المرتبطة بالجنس، نجد أيضاً أن النساء تختلف مشاكلهن الصحية عن الرجال في حزمة الأمراض غير المرتبطة بالجنس، مثل أمراض القلب، وبالتحديد أمراض الشرايين التاجية المغذية لعضلة القلب، التي يعتقد الكثيرون خطأ أنها مقصورة إلى حد كبير على الرجال. ففي بريطانيا مثلا، وحسب دراسة صدرت عن جامعة "بريستول"، تصيب أمراض القلب 20 في المئة من النساء البريطانيات في ربيع العمر، أو واحدة من كل خمس نساء. والغريب أن هذه الدراسة الشهيرة التي أجريت على عدة آلاف من النساء لم تظهر فقط أن نسبة النساء المصابات بأمراض القلب هي أعلى مما كان معتقداً سابقاً، بل أظهرت أيضاً أن النساء المصابات بأمراض القلب، وخصوصاً من تعدت منهن سن الستين، لا يتلقين مستوى الرعاية الصحية نفسه الذي يتلقاه الرجال، حيث تتلقى فقط نصف هؤلاء النساء، الأدوية والعقاقير اللازمة لزيادة سيولة الدم ومنع تكون جلطات، وتتلقى 20 في المئة منهن فقط الأدوية والعقاقير اللازمة لخفض مستوى الكوليسترول في الدم. وليس من الواضح سبب انخفاض مستوى العناية الطبية المقدمة للنساء المصابات بأمراض القلب، الذي ربما يكون نتيجة الاعتقاد الشائع بين الجميع -بما في ذلك بعض أفراد الطاقم الطبي- بأن أمراض شرايين القلب هي مشكلة رجالية أكثر منها مشكلة نسائية.
ومثل هذه الفروق الصحية التي تتعرض لها الإناث، وغيرها الكثير، ليس من الممكن حلها بشكل جذري، من دون إصلاح إجمالي لأشكال القصور في نظم الرعاية الصحية، ومكافحة التمييز ضد المرأة في المجتمع بوجه عام، كي يتمتع النصف الجميل بنفس نوعية ومستوى: الخدمات الصحية، والتعليم، وفرص العمل، والمشاركة الاجتماعية والسياسية، التي يتمتع بهم النصف الخشن.
د. أكمل عبدالحكيم