شعبية أوباما... وغياب أصدقاء الخارج!
خطر لي مؤخراً أن أسأل عددا من كبار موظفي الإدارة الأميركية عن اسم الرئيس الأجنبي الذي أقام معه أوباما علاقة وثيقة خلال السنة الأولى من حكمه. وعقب سؤالي، بدت الكثير من علامات التردد والتلعثم على هؤلاء المسؤولين.
ذكر لي أحدهم اسم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، المنتظر أن يحضر هو وزوجته لزيارة أوباما في مقر إقامته بالبيت الأبيض هذا الشهر وحضور مأدبة عشاء مع الرئيس وزوجته ميتشيل. هذا الترشيح يتناسى المرارة التي يشعر بها ساركوزي نحو أوباما بسبب ما يعتقده من أن الرئيس الأميركي قد تعامل معه بنوع من التعالي والكبرياء في عدد من المرات، وهي مرارة لا يحاول ساركوزي إخفاءها، كما تتناولها الصحافة الفرنسية على نطاق واسع.
كان اسم أنجيلا ميركل من الأسماء التي ذُكرت أيضاً: قال لي المسؤولون إن الرئيس الأميركي والمستشارة الألمانية يشتركان معا في براجماتيتهما العملية المحضة. ولكن موقف ميركل أيضا تجاه أوباما تميز بالبرود الواضح، وذلك منذ تلك المرة التي توقف فيها في برلين أثناء حملته الانتخابية الرئاسية عام 2008 عندما منعته ميركل من الظهور أمام بوابة "براندينبيرج"، كما قيل أيضاً بأنها قد شعرت بأنها قد أهينت في نوفمبر الماضي عندما لم يحضر أوباما الاحتفالات التي أقامتها ألمانيا بمناسبة مرور عشرين عاما على سقوط حائط برلين.
لم يرشح أحد جوردون براون، وهو شيء لافت للنظر لحد ما على أساس أن العلاقة بين رئيس وزراء بريطانيا والرئيس الأميركي قد ظلت وثيقة دوما على مدى الثلاثين عاما الماضية. ويمكننا هنا أن نتذكر العلاقة بين تاتشر وريجان، وبين بلير وكلينتون، ثم بلير وجورج بوش. وقد صور أوباما على أنه لا يكن احتراما لجوردون براون وعلى وجه الخصوص منذ أن أهداه الأخير عددا من أقراص"دي. في.دي" كهدية خلال أول لقاء يجمعه مع الرئيس الأميركي في البيت الأبيض منذ عام.
في النهاية، عُرِض عليّ اسم لم أكن أتوقعه وهو اسم الرئيس الروسي"ديمتري ميدفيديف". فقد أكد لي مسؤولو الإدارة أن أوباما قد أقام علاقة صداقة وطيدة مع الرئيس الروسي خلال عدد من المحادثات الثنائية التي تمت بينهما، والتي ركزت في جزئها الأكبر على الاتفاقية الجديدة للرقابة على الأسلحة النووية. ولكن الاتفاقية لم تتم ـ ربما لأن بوتين الذي حرص أوباما على الابتعاد عنه لا يحبها. رغم كل ذلك ظل هناك سؤال يتردد في ذهني: هل يمكن حقا أن يجد الرئيس الأميركي صديقه الأجنبي الحميم في الكريملن؟
المفارقة هنا أن أوباما لا يزال يحظى بشعبية هائلة في الخارج، بدءا من فرنسا وألمانيا وانتهاء بالدول التي تصاعدت فيها المشاعر المناوئة للأميركيين مؤخرا مثل تركيا وإندونيسيا على الرغم من عدم وجود أصدقاء حقيقيين من الرؤساء في الخارج. وهو في هذا يقف على النقيض من بوش الذي كان يتعرض للشتائم والانتقادات من جانب الشعوب الأجنبية، ولكنه تمكن على الرغم من ذلك من إقامة علاقات وثيقة مع طائفة من الرؤساء والقادة مثل "أزنار" في إسبانيا، و"وأوريب" في كولومبيا و"شارون وأولمرت" في إسرائيل، و"كويزومي" في اليابان.
قد يلعب الحسد أو المنافسة السياسية دورا في ذلك- فساركوزي واحد من بين الرؤساء الأوروبيين الذين أرادوا أن يتقمصوا دور الحليف الوثيق لأوباما، والذي كان رد فعله رديئا عندما لم يستجب هذا الأخير. ولكن السبب الأكبر في رأيي هو نقص الاهتمام من جانب الرئيس الأميركي ذاته بتكوين صداقات في الخارج بسبب ميله إلى التركيز الشديد على الأجندة الداخلية.
يضاف إلى هذا أن أوباما قد أعرب علنا وفي مناسبات عدة عن عدم رضاه عن حلفاء الولايات المتحدة حيث ظل العام الماضي بأسره يمارس الشد والجذب مع بنيامين نتنياهو، كما عبر عن فقدان صبره مع رئيس الوزراء الياباني "يوكيو هاتوياما"، وأحجم عن تنفيذ اتفاقية القواعد العسكرية مع ميدفيديف، ووجه انتقادات متكررة للرئيس الأفغاني حامد كرزاي، كما تخلى عن فكرة عقد مؤتمرات بنظام الدوائر التلفزيونية المغلقة مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.
يمكن أن يخرج أحد ليقول إن كل ذلك لا يهم. فبوش على سبيل المثال تعرض لانتقادات لاعتماده المبالغ فيه على العلاقات الشخصية - هل تتذكرون كيف نظر إلى روح بوتين؟ -ومع ذلك، فإن أصدقاءه الأجانب هؤلاء لم ينقذوا إدارته من النظر إليها عالميا على أنها إدارة "أحادية". يمكن لإدارة أوباما من جانبها أن تحاجج بأنها قد أبلت بلاءً حسنا في استقطاب الدعم الأوروبي في القضايا الرئيسية مثل أفغانستان وإيران، علاوة على أن شهرة أوباما وشعبيته، لا تزال تشكل رافعة فعاله مع الرؤساء في كافة أنحاء العالم سواء كانوا من الذين أقاموا علاقات شخصية معه أم لا.
مع ذلك، قد يستحق الأمر منا أن نتساءل: هل كان ساركوزي سيواجه الرأي العام الفرنسي ويرسل مزيدا من القوات إلى أفغانستان(وهو ما رفض القيام به بالفعل)، إذا ما كان قد لقي اهتماما أكبر من أوباما؟ وهل كانت حكومة بنيامين نتنياهو ستقبل أن تتحمل المزيد من المخاطر من أجل إحياء عملية السلام الموشكة على الاحتضار إذا ما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يعتقد أنه يمكنه الاعتماد على الرئيس الأميركي؟، وهل كان كرزاي سيتعاون بشكل أكثر متانة مع قادة الولايات المتحدة في الميدان لو كان أوباما قد احتضنه.
الإجابة على هذه الأسئلة تبدو واضحة وهي أن البرود، في الشؤون الداخلية كما الخارجية، له أكلافه.
جاكسون ديل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتب ومحلل سياسي أميركي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"