البحر في فلوريدا...خطر!
في صباحات كثيرة، على مدى الاثنين والعشرين عاما الماضية، كان الأب "توني مولين" يسحب ستائر نافذته ويمتع بصره برؤية غزلان من النوع المعرض للانقراض، معتبرا هذا المشهد من مشاهد الطبيعة المفتوحة واحدا من النعم التي أنعم بها الله على كنيسته الواقعة في "فلوريدا كيز"Florida Keys.
لم يكن هذا المشهد يتكرر كل يوم، حيث كانت الغزلان تختفي عن مجال البصر في بعض الأيام بسبب تدفق المياه على المساحات التي كانت ترعى فيها. عن ذلك يقول الأب توني:"في مثل تلك الأيام التي يرتفع فيها المد كانت المياه تقترب من مباني الكنيسة بصورة خطرة. وعلى الرغم من أن هناك مساحة منخفضة مغطاة بالحصى تعمل كعازل طبيعي بين البحر وبين مباني الكنيسة، كانت هذه المساحة تمتلئ بالمياه أثناء المد ويفيض منها الماء على الأراضي".
وما يحدث أمام تلك الكنيسة يتكرر بحذافيره على امتداد 125 ميلا من الجزر المنخفضة الواقعة أمام الساحل الجنوبي لفلوريدا. ويقول المراقبون إن مستوى الماء في هذه الجزر أعلى من مستواه منذ قرن من الزمان بتسع بوصات على الأقل، وذلك حسب الدراسات البيئية التي أجريت في هذا الخصوص.
المشكلة أن هؤلاء المسؤولين وسكان الجزر أنفسهم لا يعرفون ما الذي يتعين عليهم عمله بالضبط.
حول ذلك، يقول "كريس بيرج" مدير هيئة حماية الطبيعة بـبرنامج "فلوريدا كيز"، مستنداً الى البيانات التي حصل عليها من خلال متابعته، والتي حصل عليها من "الإدارة الوطنية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي" :"بعض التغيرات حتمية... والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هي الطريقة التي يمكن التكيف بها مع تلك التغيرات، ثم تسخير تلك التغيرات لصالحنا؟"
وجزر "فلوريدا كيز"ليست هي الجزر المنخفضة الوحيدة في الولايات المتحدة الأميركية المعرضة للغمر بالمياه، وإنما هناك جزر أخرى تعاني من هذا الأمر، وهو ما يدفع سكانها إلى المراقبة المستمرة لمستوى مياه البحر، خوفاً مما قد يترتب على ارتفاعها من تداعيات تؤثر على مستقبلهم.
ولكن النظام البيئي الحساس لتلك الجزر" فلوريدا كيز"، وجغرافيتها الفريدة، يجعلانها ذات أهمية خاصة للعلماء المهتمين برصد ظاهرة الاحتباس الحراري، كما يجعلان من احتياجاتها مؤشراً لما قد تحتاج إليه المناطق الأخرى.
في الآونة الأخيرة قام" بيرج" وعدد من زملائه الباحثين بإكمال تقييم عن التغير المناخي، وقدموا من خلال ذلك التقويم دراسة مثيرة للقلق تحتوي على عدة سيناريوهات لما يمكن أن يحدث لجزر "فلوريدا كيز" خلال العقود المتبقية على نهاية القرن الحالي.
أفضل تلك السيناريوهات هو ذلك الذي يفترض أن مستوى المياه في تلك الجزر سيرتفع بمقدار سبع بوصات بحلول نهاية القرن، وهو ما يمكن أن يترتب عليه إتلاف ممتلكات عقارية بقيمة 11 مليار دولار، أما السيناريو الأسوأ فيفترض أن مستوى المياه سيرتفع بمقدار55 بوصة في منطقة واحدة يطلق عليها "بيج باين"، وهو ما سيؤدي إلى إتلاف ممتلكات عقارية في تلك المنطقة فقط تقدر 35.1 مليار دولار.
يقول "بيرج": حتى لو وحدنا جهودنا، وتوقفنا عن تلويث المناخ بالانبعاثات الكربونية، وعن إزالة أشجار الغابات، وتوقف السكان عن النمو، فستظل هناك فجوة في قدرتنا على التكيف مع تلك التغيرات".
هنا نجد أنفسنا أمام السؤال: ما الذي يتعين علينا عمله لمعالجة كل تلك المشكلات؟ على الرغم من أن بعض الساسة حاولوا تجنب مناقشة الموضوع، إلا أن جورج نيوجنت مفوض"مونرو كاونتي"، لم يفعل ذلك، بل قام في الآونة الأخيرة بعمل جولة في الجزر المتناثرة على الساحل الجنوبي لفلوريدا، وأعد تقريراً عن جولته سلط فيه الضوء على الجزر التي تدعو أحوالها إلى القلق أكثر من غيرها.
وقد قام "جورج نيوجنت" بتلك الزيارات بحكم منصبه وبحكم عضويته في قوة مهمة تم تشكيلها من قبل ثلاث مقاطعات تابعة لفلوريدا لمعالجة مشكلة ارتفاع مياه البحر وغير ذلك من المشكلات المتعلقة بالتغير المناخي.
يؤكد "نيوجنت" أنه لا يتبنى نهجا تشاؤميا في تقريره ولكنه يؤكد على أن الوقت قد حان لاتخاذ ما يلزم من إجراءات، لمواجهة التأثيرات التي قد تنتج عن مزيد من الارتفاع في مستوى مياه البحر.
من الإجراءات التي يقترحها في هذا الشأن تحسين نظام الصرف الصحي في المدن الساحلية، والتي يعود بعضها إلى الثلاثينيات من القرن الماضي، وبناء ما يعرف بـ"آبار الجاذبية"Gravity Well وهي عبارة عن نظام لتصريف المياه يسمح للزائد منها بالعودة مرة ثانية إلى البحر، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من بناء أول 23 بئرا بحلول الصيف القادم.
من المشاريع الأخرى التي يجب القيام بها لمواجهة هذه الظاهرة كما يقول "نيوجنت" المشروع الخاص برفع مستوى عدد من الطرق يتراوح ما بين 30 ـ 40 طريقا في المناطق المعرضة لخطر الفيضان، وهو المشروع المعلق حاليا بسبب عدم توافر الميزانية الكافية.
يعلق "دينت بيرس" مدير الأشغال العامة بـ"مونرو كاونتي" على ذلك بقوله: على الرغم من أهمية هذا المشروع، إلا أن المشكلة هي أن كل شيء يرتفع سعره في الوقت الذي لا تزيد فيه ميزانيتنا الخاصة بإنشاء الطرق عن 4.6 مليون دولار فقط".
-------
ريتشارد لاسكومب
كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"