مضت سنوات على التربية والتعليم في دولة الإمارات، وهي تستنسخ تجارب الدول من الشرق والغرب، ومن وحي هذه التجارب تخرجت أجيال تتولى اليوم مناصب قيادية. أكتب هذه المقدمة كي لا أنكر فضل كل مجتهد في الماضي أو الحاضر والذين نكن لهم كل تقدير واحترام. في العقد الأخير من التعليم في دولة الإمارات تم عرض 3 استراتيجيات تربوية مختلفة، وعندما نذكر كلمة استراتيجية نقصد بها خطط مدروسة بعيدة المدى تمتد لأكثر من عشر سنين على الأقل، بدأ هذا الطرح برؤية 2020، والتي أجهضت في مراحلها الأولى، وتوالت بعد ذلك الاستراتيجيات، التي رأى بعض برامجها النور لفترة قصيرة ثم تغيرت الوجهة بتغير القبطان، فمن يتعامل مع الميدان التربوي في دولة الإمارات يجد أنه الأكثر حراكاً في العالم العربي بحثاً عن الجديد المفيد، والذي يتناسب مع توجهات الدولة، والتي تريد أن تكون رقماً واضحاً في منظومة البناء والتقدم العالمي. ولكن هذا الحراك كي يؤتي أكله لابد فيه من شيء من الاستقرار المدروس، لأنك بكل بساطة تستطيع أن تبني أرقى المباني وفق أحدث المعايير والتصاميم الدولية، لكن بناء الإنسان الصغير بحاجة إلى وقت طويل كي يؤتي أكله، لأنه خلال فترة التمدرس التي يمر بها هناك مراحل ليس بالإمكان حرقها، بل لابد من التعامل معها. الجديد في استراتيجية التعليم الجديدة في الإمارات أنها عُُرضت، وبتوجيه من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، للنقاش العام عبر القنوات الإلكترونية، وهذه مبادرة متميزة لقائد فذ، وقد رأينا التفاعل الإيجابي في صفحات الجرائد مع هذه الاستراتيجية وقرأنا لرموز وطنية وجهات نظر مختلفة، فهل هذه الاستراتيجية جاهزة للتطبيق في الميدان؟ رأيي الشخصي أنها بحاجة إلى وقفات قبل تحولها إلى برامج تنفيذية، كي لا تجهض كغيرها من الخطط، ولعلي أقدم اقتراحاً أرجو أن يرى النور كي لا نكرر أخطاء الماضي. عندما شرع جورج بوش الأب في خطته الطموح لتطوير التعليم في أميركا، عقد لذلك اجتماعا وطنياً موسعاً حضره حكام الولايات الأميركية المختلفة، كنت في ذلك الوقت طالباً في واشنطن العاصمة، ملخص هذا الاجتماع كان في الاتفاق على ماذا نريد من التعليم في أميركا. ما أدعو إليه في هذا المقال منطلق من كون التعليم شأناً مجتمعياً، ولا بد من شراكة في تخطيطه ووضع استراتيجياته، ومن هنا أدعو الجهات المختصة أن تخطط لمنتدى وطني لاستراتيجية التعليم، يشارك فيه نخبة من شركاء التعليم، كما أحب أن أسميهم ومنهم معلمون متميزون ومديرو مدارس راقون في تفكيرهم، وأكاديميون متخصصون في التعليم، وأولياء أمور غيورون على مستقبل الوطن، ومفكرون رائعون وبعض التلاميذ الناجحين... تشكل من هؤلاء لجان تدرس مشروع الاستراتيجية الوطنية المقترحة بكل حرية ومهنية كي نخرج باستراتيجية وطنية يجمع عليها أهل الميدان والاختصاص، بعد ذلك تقوم وزارة التربية بدورها في تحويلها إلى مشاريع قابلة للتنفيذ.