بعد عملية "الموساد"... هل تتغير النظرة للغربي؟
اليوم شعر البعض بما يشعر به الشعب الأميركي وبعض الأوروبيين والغرب بشكل عام من توجس كبير من كل ما هو عربي أو مسلم بل ومن كل من يحمل ملامح شرق أوسطية وإن لم يكن عربيا أو مسلما... فهذه الحالة النفسية والموقف من الآخر مسألة لا شعورية تصيب أولئك الغربيين لأن من اعتدى عليهم في أحداث سبتمبر كان يحمل تلك الملامح وبالتالي فكل من يشبههم في الشكل "قد" يشبههم في التصرف والأفكار.
واليوم يمكن القول بأن الكثيرين في الإمارات يشعرون بعد اغتيال المبحوح يوم العشرين من الشهر الماضي في فندق البستان في دبي، بما يشعر به الغربيون تجاه العرب... فبشكل تلقائي ولا إرادي أصبح الكثيرون يتساءلون عندما يرى أحدهم أيا من الغربيين الذين يعيشون في الإمارات: ما الذي يضمن أن لا يكون هذا الرجل ذو الملامح الغربية أو تلك المرأة الشقراء تعمل لحساب "الموساد" أو لحساب أي جهاز استخباراتي في الشرق أو الغرب؟! فوجئت بأن أحد الأصدقاء ممن زاروا الإمارات مؤخرا يقول لي نفس الملاحظة ونحن جالسان في أحد الفنادق بدبي... فيقول كلما مر رجل غربي أو امرأة أتساءل: ما الذي يضمن أن لا يكون هذا الرجل عميلا لـ"الموساد"؟ وما الذي يجعلني أستبعد أن تكون تلك المرأة التي تحمل أكياسا لماركات عالمية توحي بأنها جاءت من أحد مولات دبي الفاخرة، أنها لا تموه بهذه الأكياس لإبعاد الشبهة عن نفسها وهي تعمل لصالح جهة ما؟!
إنها مسألة نفسية ولا أعتقد أن أحدا يلوم من تخطر بباله هذه الأفكار، فما فعلته تلك الدول من خلال السماح باستغلال جوازات سفرها بهذه الصورة الواضحة، أمر يدعو إلى الاندهاش! لا أعتقد أن تلك الدول الغربية التي تم استغلال جوازات سفرها تستغرب من النظرة السلبية التي توجه إلى مواطنيها بعد اليوم، فهي كانت السبب في الوصول إلى هذه المرحلة وهي التي تسببت في فقدان الثقة التي كان يحصل عليها الرجل الغربي فقط لأنه غربي من شكله ومظهره... لذا فعلى هذه الدول أن تتعامل بجدية أكبر في مسألة استغلال جوازات سفرها ويجب أن تضع النقاط على الحروف وأن تغلق هذه الصفحة السوداء بأقل قدر من الخسائر في حق نفسها وفي حق مواطنيها الأبرياء الذين نعرف أن أغلبهم يستحقون الاحترام والتقدير.
قبل جريمة اغتيال المبحوح في دبي كانت نظرة الشك في المجتمع تنصب غالباً على بعض الجنسيات الآسيوية التي لم تفتأ السينما العالمية والهوليوودية تشوه صورتها حتى أصبح الناس في جميع أنحاء العالم يخشون المنتمين لها، لكن اليوم صار الشك في ذلك الرجل الغربي الذي كان قبل حادثة المبحوح لا ينظر إليه إلا نظرة احترام وثقة لأنه جاء من بلد يحترم القانون ولا يمكن أن يخترقه لا "موساد" ولا غيره، فكان وجود الرجل الغربي في أي مكان أمر غير مستغرب، أما اليوم فلم يعد الحال كذلك بل انقلب رأساً على عقب.
حكومة الإمارات كانت حضارية جداً في تعاملها مع هذه القضية الخطيرة التي لم تتوقع في يوم من الأيام أن تأتيها من أصدقائها وشركائها الذين تثق بهم، لكن اليوم المواطن الإماراتي بل والمقيم على هذه الأرض وزائرها لهم الحق في المطالبة بالمحافظة على أمنهم واستقرارهم والمطالبة بعدم السماح للمخربين بتعكير صفو الحياة الهانئة والهادئة في هذه الدولة التي لا تعرف إلا السلام ولا تؤمن إلا بالتسامح.
وذلك ما يجعل العالم يتفهم ردة فعل دبي وموقف الإمارات من قضية المبحوح، فدولة الإمارات لن تقبل أن تتحمل مغامرات إسرائيل ومغالطات "الإخوة الأعداء" في فلسطين... ولا تريد أن تكون أرضا لتصفية الحسابات السياسية والمخابراتية. لذا فإنها تعاملت مع قضية اغتيال المبحوح تعاملا جنائيا بحتا وتنطلق في تحركاتها من منطلقات قانونية واضحة وراسخة وتتوقع أن تتعاون معها دول العالم.
الإمارات لا تصادر حق الفلسطينيين في المقاومة، ولا تصادر حق الدول الغربية في دعم إسرائيل... فكل طرف أعلم بمصلحته، لكنها لن تقبل أن يكون ذلك على حسابها، ولن تقبل أن تدفع ثمن المشكلات والخلافات والحروب بين الأطراف المختلفة.
الإمارات تعرف حجمها الإقليمي والعالمي وتؤمن بالدور الذي تؤديه في المجتمع الدولي وتعرف أن وجودها بشكل طبيعي كشريك إيجابي بين دول العالم، وما الذي يؤثر عليها، ومدى أهمية الأمن والأمان على أرضها، "وهذا ما يعرفه أصدقاؤها جيداً لكنهم لم يحترموه للأسف"... وبالتالي عرفت الإمارات كيف تتعامل مع هذه القضية من منطلق مصلحتها الوطنية العليا وأمن مواطنيها. وكانت الإمارات واضحة تجاه الجميع.
في مثل هذه القضية الكبيرة ليس أمام الإمارات إلا خيارها الوحيد وهو أن تكون شفافة في قضية تمس عصب الحياة فيها... وليس أمامها إلا أن تواجه إسرائيل بما اقترفته، وتكشف للعالم ما حدث على أرضها كي تحمي نفسها. لأن ما حدث لم يكن يفترض أن يحدث، ولأن ما حدث لو ترك يمر لكانت دبي والإمارات هي التي ستتحمل النتائج السلبية.
حتى تعود الأمور إلى بعض نصابها فإن على إسرائيل الاعتراف بالجريمة والاعتذار عنها والتأكيد على عدم تكرارها، وتسليم منفذي العملية للقضاء لمحاكمتهم. والدول الغربية عليها توضيح موقفها مما تم من استخدام جوازات سفرها ودعم الإمارات في تحقيقاتها. ومن حق الإمارات تطبيق نظام التأشيرات على حاملي جوازات سفر الدول التي استخدمت في هذه العملية، وتقنين عملية دخول الأجانب مع الإبقاء على مستوى حفاوة الاستقبال والترحيب والاحترام لكل من يأتي من هذه الدول أو غيرها.