في منتصف 2004، علِمَتْ زعيمة الأقلية في مجلس النواب الأميركي في ذلك الوقت" نانسي بيلوسي" شيئا ما، من خلال إيجاز قدمته "سي. آي. إيه"، مما جعل دمها يغلي. وحسبما قيل في ذلك الوقت، فإن "بيلوسي" استشاطت غضبا، لما تم الكشف عنه في ذلك الإيجاز، وتبادلت "عبارات حادة" مع مستشارة الأمن القومي آنذاك "كوندوليزا رايس"، مطالبةً بتخلي الوكالة عن إحدى خططها. وكنتيجة لذلك الموقف، تمت مراجعة بند فائق السرية كان الرئيس بوش قد وافق على تفويض الوكالة بإدراجه ضمن أنشطتها. وبذلك نجحت بيلوسي في إيقاف الوكالة عن المضي قدما في تنفيذ تلك العملية المثيرة للجدل والتي سأقوم بتبيانها تاليا. لكن هناك سؤالا يطرح نفسه: ما الذي دفع بيلوسي إلى ذلك العمل؟ بالطبع ليست طريقة التعذيب المعروفة باسم "الإيهام بالغرق"، ولا إرهابيو "القاعدة". ففي مقابلة خلال عام 2009، دلّني مسؤول كبير سابق في إدارة بوش، على تقرير كان قد نشر في مجلة "التايم" دون أن يثير سوى انتباه محدود. يفيد هذا التقرير الذي صدر عام 2004 أن "بيلوسي" قد اعترضت على خطة لـ"سي. آي. إيه" كانت تهدف لتقديم أموال إلى الأحزاب السياسية المعتدلة في العراق قبل الانتخابات التي كان مزمعا إجراؤها هناك حينئذ في إطار محاولة للتصدي لنفوذ إيران التي كانت تضخ ملايين الدولارات للعناصر الموالية لها. وكما قالت "التايم" فإن بيلوسي قد فقدت أعصابها، عندما علمت بما وصفه مصدر بخطة تنفذ "سي. آي. إيه" بموجبها عملية استخباراتية للتأثير على نتيجة الانتخابات". وجاء في تقرير "التايم" كذلك أن بيلوسي تبادلت عبارات حادة مع رايس في مكالمة تليفونية حول نفس الموضوع. وأشار مسؤول كبير إلى أنه، ونتيجة ضغط من كابيتول هيل، "قلصت الولايات المتحدة من خططها السابقة". ما الذي يجعل ذلك أمرا مهما؟ لأنه في الرابع عشر من مايو 2009، أعلنت بيلوسي في مؤتمر صحفي عقد في الكونجرس، أنها كانت قد عارضت استخدام وكالة "سي. آي. إيه" لوسيلة "الإيهام بالغرق"، لكن لم يكن لديها القدرة على إيقافها. وكان أحد مسؤولي "سي. آي. إيه" قد أخبرني عام 2009 أنه صدم عندما سمع إدعاء بيلوسي، لأن "بيلوسي نفسها قد أوقفت إرسال برامج العمليات السرية التي تم إيجازها بشأنه إلى البيت الأبيض. وفي نفس الفترة الزمنية (وبعد أن عرفت بعمليات الإيهام بالغرق) كانت بيلوسي قد عادت مرة أخرى إلى البيت الأبيض بخصوص برنامج عمل سري آخر، وأعربت عن معارضتها القوية لها. واللافت للنظر أن البيت الأبيض قد تراجع عن ذلك البرنامج، وغير جانبا واحدا على الأقل من جوانبه، كانت بيلوسي تعارضه بشكل خاص. وتم بالفعل في ذلك الوقت التراجع فعليا عن ذلك الجانب ومراجعته". وقال هذا المسؤول: إذا ما كانت بيلوسي قد عارضت "الإيهام بالغرق"، كما تدعي، فلماذا لم توقفه، خصوصا أنه كانت أمامها طرق عديدة لذلك، بل ولم تكلف نفسها عناء المحاولة؟ في موعد إيجازها الصحفي اليومي كانت "بيلوسي"، قد أرغمت على الاعتراف بأنها كانت قد علمت في شهر فبراير 2003، أن وسيلة الإيهام بالغرق كانت تستخدم. وعندما سألها أحد الصحفيين الحاضرين: لماذا لم تعترض على ذلك؟ ادعت بيلوسي التي ظهر عليها الارتباك أنه لم يكن بمقدورها أن تشتكي لأنها لم تعد في ذلك الوقت زعيمة الديمقراطيين في لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأميركي. وقالت بيلوسي أيضا: "لقد تم إرسال رسالة تنبه إلى أشياء تدعو للاهتمام إلى المستشار العام لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية [سكوت مولر] من قبل عضوة ديمقراطية كبيرة جديدة كانت قد عُينت في اللجنة في ذلك الوقت[جين هارمان] وهي الشخص الملائم لتسجيل اعتراض". وخلال ذلك المؤتمر كررت بيلوسي هذا الادعاء خمس مرات. وقد تبين أن رسالة "هارمان"، بعد أن نزعت عنها صفة السرية، لم "تسجل اعتراضا" كما أوحت بيلوسي، وأن كل ما هنالك هو أن هارمان تساءلت: "ما هي السياسة التي تم إجراء مراجعة بشأنها؟"، وحثت الوكالة على عدم إتلاف شرائط التحقيق. وعلاوة على ذلك فإن بيلوسي، عندما قدمت هذا الادعاء، كانت تعرف أنه في عام 2004، وعند ما لم تعد عضوة رفيعة المستوى في لجنة الاستخبارات، قد تدخلت شخصيا لدى البيت الأبيض لوقف عملية سرية مختلفة، ولم تشر إلى "هارمان"، وقامت هي نفسها باتخاذ إجراء. والسؤال: لماذا كان من المناسب لها أن تقوم بالتدخل في ذلك الوقت بشأن هذه العملية، في حين لم يكن مناسبا لها بنفس القدر أن تتدخل في حالة "الإيهام بالغرق"؟ ووجه صحفي كان حاضرا في الإيجاز الصحفي إلى بيلوسي سؤالا يقول: هل تتمنين الآن لو كنتِ قد قمتِ بالمزيد في هذا الأمر... أعنى هل تتمنين لو كانت هذه الرسالة مرسلة منك؟". ردت بيلوسي على سؤال الصحفي بعصبية قائلة:"لا... لا... لا... لا... لا... لم تكن تلك الرسالة ولا أي شيء آخر ليوقفهم عما كانوا ينوون القيام به". وللتأكيد كررت بيلوسي ما قالته ثلاث مرات خلال ذلك الإيجاز. طيلة الوقت كانت بيلوسي تعلم أن مكالمتها الهاتفية لكوندوليزا رايس عام 2004 هي التي منعت "سي. آي. آيه" من المضي قدما في "عمل ما كانوا ينوون القيام به"، ومع ذلك فإنها قد ضللت وسائل الإعلام من خلال ادعائها أنها كانت عاجزة عن عمل أي شيء. لم يناقش الصحفيون ادعاءات "بيلوسي" بل توقفوا عن توجيه مزيد من الأسئلة إليها في هذا الإيجاز الصحفي، بعد أن أعلنت أنها لن تتلقى المزيد من الأسئلة في هذا الموضوع وامتثل الصحفيون لما طلبته. والدور الذي قامت به بيلوسي في إيقاف عملية سرية، يكذّب ما ادعته من أنه لم يكن في مقدورها إيقاف عمليات" الإيهام بالعرق" التي كانت تستخدمها الوكالة. إن ما حدث في ذلك الوقت هو أن الفيلق الصحفي في واشنطن قد فشل في "الوصل بين النقاط". أما الآن، وبعد أن تكشفت القصة، فإن السؤال الذي يرد إلى الذهن حتما هو: هل سيدع هؤلاء الصحفيون بيلوسي تواصل أسلوبها في التهرب من الأسئلة التي تطرح عليها؟ على العموم سوف نعرف إجابة هذا السؤال في إيجازها الصحفي التالي. مارك.إيه. ثيسين كاتب خطابات سابق للرئيس جورج دبليو بوش ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"