لماذا يتفوق الغرب على الشرق في مجال عمل الدولة وفعاليتها؟ فكل ما هو موجود لديهم متوفر عندنا، ولا مشاحة في القول إن دول الخليج بالذات يتوفر لديها مستوى صحي لا يتوفر في بقية الدول العربية الفقيرة التي لا تملك فيها الدولة موارد مالية تكفي لسد حاجة الشعب من أدوية وعمليات جراحية، كما تعاني من نقص في توفير الأسرّة الطبية المطلوبة. لكن مع ذلك تزداد حاجة الدول الخليجية إلى استقدام الوفود الطبية المتخصصة، وأيضاً إلى إرسال المواطنين للعلاج في الخارج لإجراء العمليات الجراحية المعقدة. لماذا إذن نحتاج إلى الغرب على رغم وجود المستشارين المتخصصين في مستشفياتنا المختلفة؟ كما هو معلوم اضطرتني ظروفي الصحية المتعثرة إلى الذهاب للعلاج في الخارج على نفقة الديوان الأميري، إلى لندن، وقد وجدت الاختلافات التالية: 1- الدقة في التنظيم، حيث يتم تخصيص طبيب متخصص من ذوي الخبرة في مجال تخصصه، وهو يقود فريق العمل بعد القيام بكل الفحوصات اللازمة، دون الاعتماد على التقارير الطبية التي تم وضعها سابقاً، فهو لا يعتمد إلا على خبرة فريق العمل الذي يعمل وفق إشرافه، وذلك حتى لا يترك فرصة لأي خطأ خارجي. 2- يقوم بنفسه بتعريفك بشخصه باعتباره الطبيب المسؤول عنك، وعن كل طبيب تتعامل معه. فمثلا حين أصبت بانفجار شرايين العين، قام هو بنفسه بتحديد الطبيب المختص الذي سيقوم بالفحص. 3- لا يقوم بتقديم أي معلومات عن وضعك الصحي، بل يعدك بالجلوس معك لشرح كل ما يتعلق بهذا الوضع بعد الاطلاع على التقارير المختلفة التي سترد إليه من المختصين. 4- لا يقوم بتبسيط الأمور، بل يقف محايداً لا تكاد تقرأ تعابير وجهه. 5- تطور الأجهزة الطبية، حيث لاحظت أن كثيراً من هذه الأجهزة ليس موجوداً لدينا. 6- عدم ازدحام المرضى على الطبيب، خلاف ما هو موجود لدينا، حتى في المستشفيات الخاصة حيث يحصل الموظفون على التأمين الصحي، بما يؤدي إلى تكدسهم في أروقة المستشفيات الخاصة، مما أدى إلى تردي الخدمات الصحية على المستوى الخاص. 7- لاحظت أن الأدوية التي لدينا في بلادنا "قديمة" بعض الشيء! حيث يتم إلغاء هذه الأدوية وتقديم ما هو أفضل منها، وأكثر فعالية. 8- أما مسألة ضياع الملف فلا وجود لها في مستشفياتهم بسبب الدقة في التنظيم والعمل المنظم. وتبقى القضية الأخيرة والأكثر أهمية، ألا وهي تطور الطب نفسه، وهي القضية التي تعاني منها العقول الطبية العربية، حيث ليس من السهل على الطبيب العربي الذي يعالج مئات المرضى يومياً متابعة التطورات الطبية في مجال تخصصه. ومن جهة ثانية تعجز الدول العربية عن المشاركة عالمياً في المجال الطبي، لأسباب كثيرة منها ضعف الإنفاق على البحث العلمي بشكل عام، وضعف المشاركة في المؤتمرات الدولية ذات الصلة. وبرغم وجاهة الأسباب سالفة الذكر، تبقى قضية التنظيم على المستوى المحلي من أهم القضايا. فالدولة العربية عاجزة إلى اليوم عن تنظيم الملفات الطبية وغيرها بما يضمن توفير الوقت والجهد للمؤسسة العامة وبالتالي توفير أسرع الطرق وأكثرها نجاعة لتحقيق المطلوب منها. ولعل الوضع الصحي هو أخطر الموضوعات التي هي بحاجة إلى التطور مع ما يحدث على المستوى الدولي. وإنه لمن المؤلم أن تتصدر إسرائيل قائمة الإنفاق على البحث الطبي مقارنة مع العالم العربي، علماً بأن العرب أكثر غنى وموارد. ولكن المستوى الصحي في إسرائيل أفضل منه لدى العرب.