من مقاعد المتفرجين أبداً نستعرض أحداث عام مضى، نعم من المقاعد فلم نشارك في الفعل، لم نصنع الأحداث السياسية والاقتصادية، لم نكن عنواناً رئيسياً بإنجازاتنا بسبقنا العلمي أو الأدبي، لم نحتل عناوين الأخبار إلا بأزماتنا وحروبنا الأبدية، لم تصنع السياسة العربية أي سياسات بل كانت ردود أفعال وأحياناً متأخرة جداً على أحداث تحيط بنا وتمسنا، أحداث تسكن بيننا، حرب اسرائيلية جديدة على غزة، تقرير دولي -تقرير جولدستون- يدين طرفي النزاع إسرائيل و"حماس" فيما السلطة الوطنية الفلسطينية تائهة بين الطرفين، وكذلك بقية الحكومات العربية. بدأ العام بحرب غزة، وبضيف جديد يحل في البيت الأبيض رحبت به الشعوب العربية قبل حكوماتها، فالتغيير يبعث الأمل في الجديد، وتغيير السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط والدول العربية خصوصاً يعني زلزالا سياسياً، لكن الشعوب العربية في حلمها تتناسى أن السياسة الخارجية الأميركية لا تغيرها أطياف السياسة الحزبية ولا ألوان الرؤساء، بل ستظل نتاج محددات سياسية وتاريخية واقتصادية بالدرجة الأولى. تتصاعد الحرب في صعدة بشمال اليمن وما بدأ بحركة تمرد داخلي تحول إلى حرب سادسة تخوضها القوات الحكومية اليمنية ضد أتباع حركة الحوثي الزيدية المتمردة، تتهم فيها اليمن أطرافاً خارجية بالتدخل فيما انتقل الصراع إلى أراضي المملكة العربية السعودية لتدخل طرفاً في حرب لا نملك إلا أن نتساءل لمصلحة من بدأت، وإلى أين ستقود المنطقة؟ فيما تستعاد مشاهد التشرد والنزوح العربي هذه المرة في اليمن. ولم يخفت نجم العراق من تصدر أخبار المآسي والدمار فالأجساد المفخخة لا زالت تحصد المئات، فيما الحكومة تمارس أبجديات السياسة قبل أن تتقن لغة الأمن والاستقرار السياسي. ما زال المشهد السياسي العربي يراوح مكانه كجزء من حالة الجمود المجتمعي العربي، شعوب تصبو إلى التغيير دون أن تمتلك أدواته، ودون أن تتمكن من تجاوز ركودها في كثير من المجالات، خاصة ركودها السياسي، فيرى البعض أن الشأن السياسي العربي لن يتغير إلا بتغير البنى التحتية التي تتحكم بالسياسة والاقتصاد وبالحراك الاجتماعي التدريجي المؤدي للتغيير، فيما يرى آخرون أن السياسة العربية كبنية فوقيه لن تتغير إلا بتغيير قادم من أعلى هبة من الحاكم للمحكومين، وبين تنظير فوقي وتنظير تحتي ظلت السياسة العربية عصية على التغيير والتفسير بين نظم ملكية أو جمهورية، فقد فاز الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بفترة رئاسية خامسة بحصوله على 89 في المئة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي شهدتها البلاد، فيما حصل الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة على 90.24 في المئة من الأصوات في الانتخابات التي شهدتها الجزائر، ليفوز من جديد ولخامس مرة كذلك، أما مصر فتستعد لانتخابات رئاسية شهدت نكتة سياسية بإعلان السيد محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق عن شروطه للترشح للمنافسة على منصب الرئيس المصري. اقتصادياً كانت دبي العنوان العربي الأبرز للأزمة الاقتصادية وبين تحجيم محلي لأزمة مديونية دبي وتضخيم دولي انعكس على أسواق المال والأعمال الدولية وتصدر كبريات وسائل الإعلام الغربية وحتى الشرقية ستظل الإمارة الطامحة في بؤرة الحدث الاقتصادي والعنوان الاقتصادي الأبرز للعام القادم. ذلك كان بعضاً من حصاد عام مضى، لا تختلف عناوينه عن عناوين أعوام مضت كان التطرف والصراع والطغيان بعض عناوينها الأبرز، وبين استمرار الوضع القائم والمزيد من التأزم السياسي والاقتصادي تنحصر آفاق الشعوب العربية للعام القادم. وبعد، فهل نملك تمني عام عربي سعيد، بالطبع.