أمضت الولايات المتحدة عام 2009 كله في خوض حربين متوازيتين في كل من العراق وأفغانستان، إلى جانب دعمها غير المباشر لحملات مكافحة الإرهاب والتمرد الداخليين في باكستان. وإذا حاولنا إصدار حكم متزن على هذه الجهود، يمكنني القول إن تلك الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة، حققت نجاحاً متوسطاً في كل واحدة من الجبهات الثلاث بدرجات متفاوتة. غير أني أعترف بأن هذا يظل حكماً ذاتياً ولايزال يتطلب المزيد من المناقشة والحوار الموضوعي. وعلينا العودة إلى الأساسيات أولاً عند إصدار الحكم على أداء واشنطن في العام الحالي الذي يقترب من نهايته. فقد شهد العام خفضاً تدريجياً لعدد قواتنا المرابطة في العراق، مقابل تكثيف الجهود الحربية في أفغانستان وباكستان. ومع ذلك لا يزال العراق هو الذي يستحوذ بالنصيب الأكبر من الجنود والتكلفة المالية خلال العام الحالي. يذكر أن عدد الجنود المرابطين هناك بدأ في العام الحالي بنحو 142 ألف جندي، ويتوقع أن ينتهي بحوالي 115 ألفا، بتكلفة مالية يزيد قدرها الإجمالي لهذا العام عن المليار دولار. ولكن الواضح الآن أن أفغانستان أصبحت هي الحرب الأكثر دموية خلال العام نفسه. وبالنتيجة لقي ما يزيد على 300 جندي أميركي مصرعهم خلال العام الحالي، مقارنة بـ150 من القتلى بين جنودنا في العراق. وبين الدول الثلاث التي تستمر فيها الجهود الحربية، يبدو أن باكستان هي التي تمثل الخطر الأمني الأكبر بعيد المدى على الولايات المتحدة الأميركية، بسبب ترسانة أسلحتها النووية التي يسيل لها لعاب مقاتلي "القاعدة" وغيرهم من الجماعات المتطرفة. ولمواجهة هذا الخطر، ارتفعت ميزانية الإنفاق الدفاعي الأميركي هناك ليصل إلى نحو 3.3 مليار دولار، تُقدم في شكل مساعدات اقتصادية وأمنية لإسلام أباد. وعلى رغم ضخامة هذا المبلغ، فإنه يكاد لا يساوي شيئاً بالمقارنة إلى الميزانيات المؤلفة من 12 رقماً التي تنفقها بلادنا في العراق حالياً، وفي أفغانستان قريباً كما هو متوقع في عام 2010، عندما يرتفع عدد جنودنا هناك ليصل إلى ما يقارب الـ100 ألف. كما علينا أن نتساءل عن مدى تأثير الحرب على حياة مواطني الدول الثلاث. ربما نندهش بعض الشيء إذا علمنا حقيقة إمكانية المقارنة بين عدد الضحايا المدنيين جراء العنف المرتبط بالنزاع المسلح في الدول الثلاث. فقد كان متوسط الخسائر في أرواح المدنيين سنوياً هو حوالي 3 آلاف قتيل. أما في أفغانستان فقد بلغ هذا المتوسط حوالي 2500 قتيل مدني، وهو رقم يبدو أعلى بكثير مقارنة إلى عقد مضى، إلا أنه لا يبدو أسوأ من معدلات قتل المدنيين في عام 2008 إلا بفارق هامشي ضئيل. وفي الواقع فربما يعكس ارتفاع عدد القتلى في العام الحالي مقارنة بما كان عليه في العام الماضي، تحسن قدراتنا الإحصائية لأعداد القتلى، بسب تزايد وجودنا الحربي في أفغانستان. واعتماداً على المقارنات نفسها، فإن مما يثير الاهتمام أن رقم الـ2500 قتيل لهذا العام في أفغانستان، لا يزال يقل كثيراً عن عدد القتلى المدنيين العراقيين خلال العام نفسه. وربما كان هذا الرقم أقل بنحو 20-50 مرة مما كان عليه عدد القتلى المدنيين أيام الغزو السوفييتي السابق لأفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، أو خلال فترة الفوضى السياسية العارمة التي أعقبت انسحاب السوفييت من هناك. أما في باكستان فبلغ عدد القتلى المدنيين جراء التفجيرات والعمليات الانتحارية وغيرها من الفظائع المرتكبة نحو 4 آلاف قتيل. ولكن لا يزال هذا الرقم بحاجة إلى مقارنته بجملة الكثافة السكانية الباكستانية، التي تفوق كثيرا نظيرتها في كل من العراق وأفغانستان. ولكن ما هي القصة الأوسع التي تقع خلف هذه الإحصاءات والأرقام، وما الذي يدعوني للتفاؤل رغم كل شيء؟ والإجابة أن عام 2009 كان عاماً للانتقال في العراق، مع ملاحظة أن هذا الانتقال كان سلساً نوعاً ما. صحيح أن شهر أغسطس كان الأكثر دموية، ثم استمرت الهجمات وأعمال العنف التي لا تزال تجعل من العراق أحد أشد المناطق خطورة خلال الفترة الممتدة من أكتوبر إلى ديسمبر، إلا أن أداءه كان جيداً من الناحية الإحصائية. فقد تجنب الاقتصاد العراقي كارثة الانهيار على رغم تأثيرات الأزمة المالية الاقتصادية العالمية والانخفاض الحاد لأسعار النفط العالمي خلال العام الماضي. وعلى المستوى الأمني تمكنت الحكومة من توظيف 10 آلاف من "أبناء العراق" ما ساعد على الحد من العمليات الانتقامية التي تشنها الجماعات السنية على الحكومة الوطنية التي تغلب فيها العناصر الشيعية. وفي باكستان كان العام الحالي عاماً للفعل الحكومي. وبالنتيجة فقد بدا واضحاً عزم الجيش الباكستاني على مواجهة عناصر حركة "طالبان" الباكستانية، من خلال الحملات العسكرية الواسعة التي شنها عليها الجيش في كل من وادي سوات وجنوبي إقليم وزيرستان. وعلى رغم استياء الشعب الباكستاني من ساسته ومن تحالف بلاده مع الولايات المتحدة الأميركية، إلا أنه يبدي استياءً مشابهاً من الجماعات الإرهابية المتطرفة. وقد ساهمت الضربات الجوية الناجحة التي نفذتها الطائرات الأميركية، بما فيها مصرع بيت الله محسود وعدد من قادة "طالبان" باكستان، ومصرع أحد كبار قادة تنظيم "القاعدة" في شهر ديسمبر الحالي، على تغيير اتجاهات الرأي العام إزاء هذه الجماعات المتطرفة. غير أن الاقتصاد الباكستاني واستقرار حكومة إسلام أباد المنتخبة، لا يزالان في خطر جدي. وعلى إسلام أباد أن تبذل جهداً أكبر في تعليم وتوظيف أعداد أكبر من الشباب. أخيراً نأتي لأفغانستان، حيث شهد العام الحالي تحولات كبيرة فيها. تشمل هذه التحولات القرارات التي أعلن عنها أوباما بشأن هذا البلد، وانتخاب الشعب الأفغاني لرئيسه كرزاي مجدداً. غير أن تحقيق النجاح الحاسم لجهودنا هناك، يطالبنا بإجراء إصلاح جدي لأداء قوات الأمن الوطني، بقدر ما يطالب كرزاي بشن حملة واسعة على الفساد الحكومي. ونحن لا نتوقع وقوع معجزات في أي من الدول الثلاث، غير أن في الإمكان إحراز تقدم نسبي في كل جبهة من هذه الجبهات المذكورة. مايكل أوهانلون ـــــــــــــــــــــــــــــــ زميل رئيسي بمؤسسة بروكنجز ينشر بترتيب خاص معه خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"