لا شكّ في أن الحكم الذي صدر مؤخراً على شخص عربي الجنسية قام بإيواء 31 متسللاً في "صناعية الشارقة"، وعمل على إخفائهم والتحايل من أجل إبعادهم عن الملاحقة من قِبل أجهزة الأمن عبر تحرير عقود إيجار لهم، بالغرامة مليوني درهم إضافة إلى السجن شهرين والإبعاد خارج البلاد، إنما يوجه رسالة مهمّة، وعلى درجة كبيرة من الحسم إلى كل مَنْ يسهم في مساعدة مخالفي قوانين الإقامة أو الذين يدخلون البلاد بطرق غير شرعية، مفادها أن أجهزة الأمن واعية وقادرة على الكشف عن أي مخالفة، وملاحقة مرتكبيها مهما كانت الأساليب التي يتمّ استخدامها للتمويه والخداع، وأن هناك قانوناً رادعاً يمكن لنصوصه أن توقع أشد العقوبات على مرتكبي هذه المخالفات. إن قضية المتسللين ومخالفي الإقامة في الدولة تتصل اتصالاً مباشراً بالأمن الوطني بمفهومه الشامل، بما يترتب عليها من نتائج خطرة على أكثر من مستوى، تبرّر الضرب بشدة على يد المخالفين أو الذين يساعدونهم. فهناك علاقة مباشرة بين زيادة عدد مخالفي الإقامة والذين يدخلون البلاد بطرق غير شرعية، وظهور الكثير من مهدّدات الأمن والاستقرار في المجتمع الإماراتي وارتفاع معدل الجرائم فضلاً عن العديد من الظواهر السلبية مثل التسوّل والبائعين المتجوّلين وغيرها من الظواهر الأخرى. وإضافة إلى ما سبق فإن مخالفي الإقامة، الذين يجدون مَنْ يأويهم ويسهّل لهم مخالفتهم، يعوقون تكوين قاعدة بيانات دقيقة عن واقع القوى العاملة في الدولة يمكن على أساسها اتخاذ القرارات المتعلقة بهذه القضية، لأنهم يظلون أرقاماً خارج أي إحصاء أو تعداد، كما أنهم يزيدون من تفاقم مشكلة التركيبة السكانية وما يرتبط بها من قضايا الهوية التي تبدي الدولة اهتماماً كبيراً بها وتنظر إليها على أنها من صميم الأمن الوطني. وأخيراً فإن مخالفي الإقامة والمتسللين لا يدخلون ضمن أي نظام لحماية أجور العمال وصيانة حقوقهم، وهي القضية التي تعطيها الدولة من خلال وزارة العمل أهمية خاصة، ما يسبب توترات وتشوهات في سوق العمل لها نتائجها السلبية على أكثر من صعيد. لقد بذلت الأجهزة المعنيّة في دولة الإمارات العربية المتحدة وتبذل جهوداً كبيرة لمعالجة قضية التسلل ومخالفي الإقامة، وأعطت مهلة لتسوية أوضاعهم، ووجهت وتوجه تحذيرات واضحة إلى كل مَنْ يستخدم لديه مخالفاً سواء في منزل أو منشأة، وعملت على توعية الناس بخطورة الظاهرة من خلال برامج توعية، وتحقيق التفاعل والتعاون والمشاركة مع الجمهور في استراتيجية السيطرة على المخالفين والمتسللين، ولعل مبادرة "ساهم" التي أطلقتها وزارة الداخلية بهدف إتاحة الفرصة للمواطنين والمقيمين لإبلاغ الشرطة عن أي مخالف أو متسلل من خلال رقم مجاني يعمل على مدار الساعة، مثال بارز في هذا الخصوص. وإذا كانت أجهزة الأمن في الدولة تقوم بجهدها وتتحرك على أكثر من اتجاه في مواجهة هذه القضية المعقدة، فإن التعاون معها من قِبل الجمهور، مواطنين ومقيمين، يعد مفتاحاً أساسياً للقضاء على هذه المشكلة بشكل نهائي، وذلك لمصلحة الفرد والمجتمع معاً. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية