مخاطر الدعم الحكومي لاستهلاك الطاقة!
أسعار النفط العالمية ترتفع تدريجياً والأمن الطاقي لا يتحسن وفق وتيرة استهلاك العالم للطاقة؛ ولكن بدلًا من انتظار ظهور الأزمة الكبيرة التالية، ثمة طريقة يمكن للولايات المتحدة ودول أخرى أن تسن بها سياسات لخفض استهلاك الطاقة، والحد من الضرر الذي يلحق بالبيئة، وتوفير المال، بل وحتى جلب الفائدة للفقراء عبر إلغاء الدعم الحكومي الشامل للطاقة. ولكن على زعماء العالم المجتمعين في قمة المناخ بكوبنهاجن أن يعترفوا بأن معظم البلدان مازالت تدعم استهلاك الوقود الأحفوري، وبأن إلغاء هذا الدعم واحد من أكثر الوسائل فعالية لخفض استهلاك الطاقة، وبالتالي الحد من خطر تغير المناخ. فحسب بيانات وكالة الطاقة العالمية، يصل الدعم الحكومي للطاقة في العالم إلى 300 مليار دولار في العام.
ورغم أن هدف هذا الدعم الحكومي هو تحفيز التنمية الاقتصادية وتشجيعها، فإن سلبياته ومشاكله تفوق أي فوائد اقتصادية؛ ومن ذلك حقيقة أن أحد أكثر أشكال الدعم انتشاراً هو تقنين وتنظيم أسعار الطاقة الذي لا تستفيد منه القطاعات الأكثر احتياجاً في المجتمع. وبالتالي، فإن الدعم الموجه للطاقة يستفيد منه الأغنياء في المقام الأول، لأنه في معظم الدول النامية، مازال الفقراء غير قادرين على تحمل كلفة استعمال الطاقة حتى في ظل الدعم. وعلى سبيل المثال، يستعمل الفقراء في الهند أقل من نصف كمية الكيروسين المدعوم فقط.
وعلاوة على ذلك، فإن قطاعات واسعة من السكان في كثير من البلدان النامية مثل الهند ليست لديها إمكانية الاستفادة من الكهرباء على نحو منتظم، ولذلك فإنها لا تستهلك الطاقة المدعومة حتى وإن كانت تستطيع تحمل نفقاتها. ثم هناك حقيقة أن هذا الدعم الحكومي يستهلك حصة كبيرة جدا من ميزانية الدولة. وعلى سبيل المثال، تنفق روسيا، التي تعتبر أول داعم للطاقة في العالم، حوالي 40 مليار سنوياً لهذا الغرض؛ وتأتي في المرتبة الثانية إيران التي تنفق قرابة 36 مليار دولار سنويا على دعم استهلاك الطاقة. أما الصين والسعودية وأوكرانيا ومصر، فتنفق كل واحدة منها أكثر من 10 مليارات دولار سنويا على دعم الطاقة. ومن جهتها، رصدت ماليزيا إلى غاية 2008 مخصصات مالية لدعم الطاقة تفوق تلك المخصصة للصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية. كما تنفق إندونيسيا 4 في المئة من ناتجها الوطني الخام على دعم الطاقة، وقد أنفقت على الدعم الحكومي للطاقة في 2007 أكثر مما أنفقته على الصحة والتعليم معا.
وعلاوة على ذلك، ثمة علاقة مباشرة بين الدعم الحكومي للطاقة وانخفاض فعالية استهلاك الطاقة، وذلك على اعتبار أن الدعم الحكومي يتسبب في استعمال تبذيري ومفرط للطاقة ويشجع على زيادة استهلاك الوقود الأحفوري الملوث للبيئة. ففي البلدان حيث تدعم الحكومة استهلاك الطاقة مثلا، يستمر الجمهور في استهلاك النفط بنفس المستوى حتى عندما ترتفع أسعارها في الأسواق العالمية. وبالمقابل، فإن الشيء الذي ساعد على الحد من استهلاك الجمهور للنفط هو ارتفاع أسعاره. فبعد موجة الارتفاعات التي عرفتها أسعار النفط العالمي ووصلت ذروتها في 2008 ، انخفض الاستهلاك أولاً وبأسرع المعدلات في الدول التي خضعت فيها أسعار الاستهلاك للسوق. وفي الولايات المتحدة مثلا، كان استمرار ارتفاع الأسعار العامل الوحيد الذي أدى إلى انخفاض واضح في عدد الكيلومترات التي تقطعها المركبات، حيث انخفض هذا العدد في الولايات المتحدة بـ10 في المئة تقريباً عام 2007 عندما ارتفعت أسعار الجازولين. وفقط عندما انخفضت الأسعار في خريف 2008 عاود عدد الكيلومترات المقطوعة الصعود. كما تراجع استهلاك الجازولين في الصين أيضاً على إثر خفض الدعم الحكومي للوقود عقب أولمبياد 2008.
وعليه، يتعين على الدول حين قيامها بإعداد سياساتها الطاقية أن تلغي هذا الدعم الحكومي الشامل للطاقة. وفي حال كان لا بد من الإبقاء على هذه المعونات الحكومية، فينبغي أن تستهدف قطاعات بعينها، مثل الفقراء، بدلا من أن تكون "شاملة" لقطاع كامل. على أن تقوم الحكومات، حين خفض الدعم الحكومي لاستهلاك الطاقة، بوضع مخططات لاستعمال الأموال المدخرة في مشاريع تفيد الفقراء بشكل مباشر.
لقد ضغط أوباما على الزعماء في قمة مجموعة العشرين الكبرى في سبتمبر الماضي حتى تنهي مليارات الدولارات من الدعم الحكومي الذي يشجع على استعمال الوقود الأحفوري عبر العالم ويساهم في تغير المناخ. وقد كان ذلك خطوة أولى ذكية، ولكن الخطوة التالية التي يتعين على أوباما اتخاذها هي استعمال آليات السوق لخفض استهلاك الطاقة، مثل الضرائب التي تعكس الضرر الاقتصادي المترتب عن استعمال الوقود الأحفوري.
صحيح أن بعض المنتقدين يخشون أن يؤدي إنهاء الدعم الحكومي للطاقة إلى تزعزع الاستقرار السياسي. فحين أعلن الرئيس الإيراني عن الحد من كمية الجازولين المدعوم لكل مواطن مثلاً، رد المتظاهرون على ذلك بحرق المئات من محطات الوقود والمباني الحكومية. غير أنه إذا قُدمت للناس فائدة بديلة ملموسة، مثل تحسن جودة الهواء والإمدادات المائية، وتحسن مهم في الخدمات الصحية والتعليمية، فإنهم سيقبلون التغيير.
وتأسيساً على ما تقدم، فإنه يتعين على الدول أن تعيد تحويل بعض المخصصات المالية من دعم الوقود الأحفوري إلى دعم تكنولوجيات الطاقة غير الأحفورية الجديدة لأن من شأن هذه الاستراتيجية أن تمثل محركاً حقيقياً للنمو الاقتصادي.
بريندا شافر
مؤلفة كتاب "سياسة الطاقة"
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونتيور"