تعد البرازيل الدولة الأكثر لفتاً للانتباه في الوقت الحالي. فكثافتها السكانية تبلغ 200 مليون نسمة، وبها تجربة ديمقراطية مزدهرة، إضافة إلى اتساع شعبية رئيسها وسرعة معدلات انخفاض الفقر فيها. وفوق ذلك فازت البرازيل مؤخراً بالسباق الدولي على استضافة أولمبياد عام 2016. ثم إنها لا تكف عن افتتاح بعثات وسفارات دبلوماسية لها في مختلف أنحاء العالم. كما كان اقتصادها آخر الاقتصادات التي تأثرت بالأزمة الاقتصادية المالية العالمية، وبين أول المتعافين من تأثيراتها السالبة. بيد أن كل هذه الإنجازات التي حققتها البرازيل تظل ناقصة وعرضة للانتقادات. ولكي تواصل مسيرة نجاحها هذه، فإن عليها مواجهة الصين، وهي ما تثير مخاوف دبلوماسييها بالذات. وتمثل العملة البرازيلية "الريل" نقطة ضعفها الرئيسية، وهي العملة التي ارتفعت قيمتها مقابل الدولار الأميركي بمعدل الثلث خلال العام الماضي. فمن شأن أي ارتفاع آخر في قيمة "الريل"أن يعصف بصادرات البرازيل ويجعل مستحيلاً على منتجيها المحليين التنافس مع المنتجات الرخيصة المستوردة، إضافة إلى تأثيره السلبي على حيوية البرازيل التي جعلت منها معجزة اقتصادية في نظر الكثير من المحللين والمراقبين. وليس مستبعداً أن ترتفع العملة البرازيلية، طالما أن القوى التي تدفع بهذه الزيادة لا يبدو أنها تسير في طريق التراجع والانحسار. أولى هذه القوى هي هشاشة الاقتصاد الأميركي التي ترغم البنك الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة، بما فيها رؤوس الأموال الباحثة عن تحقيق عوائد أعلى لها في دول أخرى. وتمثل البرازيل الوجهة المفضلة لرؤوس الأموال هذه، بسبب ارتفاع أسعار الفائدة فيها، فضلاً عن ملاءمة ظروفها المالية. هذا وترجح توقعات الكثيرين أن يتباطأ تعافي الاقتصاد الأميركي من تأثيرات الأزمة الحالية في الفترة القريبة المقبلة. هذا يعني عدم توقع حدوث أي تغيير على انخفاض أسعار الفائدة، بينما يرجح مواصلة عملة "الريل" البرازيلية ارتفاعها. أما القوة الثانية التي تدفع ارتفاع "الريل" فهي الصين. ففيما لو ساد المنطق الاقتصادي، فإن من المنطقي أن تنخفض قيمة الريل مقابل اليوان الصيني. والسبب أن للصين فائضاً نقدياً هائلاً، في حين تعاني الخزانة البرازيلية من العجز. غير أن الذي حدث هو أن الصين أعادت ربط عملتها الوطنية مرة أخرى بالدولار الأميركي، ما أدى إلى انخفاض قيمته نتيجة لانخفاض قيمة الدولار. وفي المقابل تمكنت البرازيل من منافسة المنتجين الصينيين. ولكن لم يقف تأثير هذا الانخفاض عند ذلك الحد، بل ألحق انخفاض قيمة اليوان غير المنطقي أضراراً بالغة بالمنتجين في عدة دول، دافعاً البنوك المركزية إلى خفض معدلات الفائدة، بينما ساهم كل ذلك في تدفق المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية إلى البرازيل. والمرجح أن تزداد هذه الضغوط الصينية على البرازيل، بالنظر إلى تزايد نمو الاقتصاد الصيني. فما الذي يتعين على البرازيل القيام به للحد من خطر عملتها الوطنية على اقتصادها؟ في وسعها خفض معدلات الفائدة بهدف الحد من تدفق المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية. ولكن المشكلة أن الاقتصاد البرازيلي جذاب جداً، ومن شأن انخفاض معدلات الفائدة أن يصيب اقتصادها بالتضخم. ربما هناك من يقول إن في مقدور البرازيل مكافحة تدفق الأموال الأجنبية عن طريق فرض الضرائب عليها. هذا إجراء ممكن بالطبع وقد سبق للبرازيل أن جربته، إلا أن مشكلة هذا الإجراء أنه أشبه بمحاولة الاحتماء بمظلة مصنوعة من الثلج. إذاً يمكن للبرازيل التدخل في أسواق البورصة عن طريق بيع عملتها الوطنية الريل وشراء الدولار. ولكن المشكلة أن ندرة المدخرات البرازيلية لا تساعد على تدخل كهذا، خاصة إذا ما انخفضت قيمة الدولار. بهذا يبقى احتمال أخير يتمثل في سعي البرازيل لحماية صناعاتها المحلية عن طريق فرض التعرفة الجمركية على واردات الدول الأخرى. غير أن من شأن اتباع سياسات حماية الصناعات المحلية هذه أن تثير ضدها دورة من الردود والسياسات الرادعة لها. يجب القول إذاً إن أدوات الاقتصاد الوطني البرازيلي لا تكفي لمنع عملتها من تهديد النجاح الاقتصادي الذي حققته. ماذا عن الدبلوماسية إذاً؟ نجيب عن السؤال بالقول إن مطالبة أميركا برفع أسعار فائدتها وتحرير عملة "الريل" من الضغوط التي يمارسها عليها الدولار، لا يمكن أن تكون بداية موفقة لحل المعضلة. ففي وقت بلغت فيه معدلات البطالة نسبة تقارب الـ10 في المئة، واضطرار الكثير من القوى العاملة الأميركية للاكتفاء بأجور العمل الجزئي، لن تتاح للبنك الاحتياطي الفيدرالي أي فرصة لرفع أسعار الفائدة إنقاذاً منه للبرازيل من محنتها الخاصة. وهذا ما يضع البرازيل أمام خيار مواجهة الصين والتفاوض معها. والكارثة هنا أن البرازيل ليست لديها رغبة في خوض مواجهة كهذه. فدبلوماسيوها يفضلون الحفاظ على بقاء بلادهم في مجموعة BRIC الناشئة -التي تضم كلاً من البرازيل وروسيا والهند والصين- حتى وإن أدى هذا التضامن إلى تهديد النمو الاقتصادي البرازيلي الذي تقوم عليه عضويتها في المجموعة هذه. يضاف إلى هذه الحقيقة أن عملة "الريل" لم تنخفض قيمتها إلى حد يثير الانتباه إلى ما تعانيه في الوقت الحالي. كما يتوقع لاقتصادها أن يحقق نمواً مقدراً تقدر نسبته بحوالي 3.5 في المئة خلال العام المقبل. وسوف يعزز هذا النمو الإنجازات الباهرة التي حققها الاقتصاد البرازيلي خلال السنوات الأخيرة الماضية، ما يصرف عنها القلق بشأن مشكلاتها المستقبلية. سباستيان مالابي كاتب ومحلل اقتصادي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"