كان مثيراً قرار أوباما توسيع الحرب الدائرة في أفغانستان، عبر الخطاب الذي ألقاه ليلة الثلاثاء الماضي، غير أنه لم يكن مفاجئاً بأية حال. فهو لم يكن قراراً منفصلاً له علاقة بالسياسات الخارجية أو العسكرية، وإنما هو قرار له صلة بالسياسات الداخلية لإدارته. فقد انتخب أوباما للمنصب الرئاسي بعد أن قطع على نفسه عهداً بخوض ما أسماه بـ"الحرب الصحيحة" في أفغانستان، في مقابل وضع حد للحرب الخاطئة في العراق. وإثر انتخابه وتوليه للمنصب، بالكاد قال أوباما شيئاً عن ارتكابه خطأً في ذلك الوعد، وإنه تبين له خطأ الحربين كلتيهما، أو أن من واجبه وضع حد لهما معاً. ولكن من الخطأ الاعتقاد بأن أوباما قد توصل لاستنتاج كهذا، على أية حال. ومما لا شك فيه أن أوباما قد عين الجنرال ماكريستال قائداً عاماً لقواته في أفغانستان وأرسله إلى كابول لتقييم الوضع العسكري هناك، بناءً على توصيات كل من وزير دفاعه "جيتس" والجنرال "بترايوس" قائد عام القيادة المركزية. وبعد عودته مباشرة من تلك المهمة، تسربت أجزاء من التقرير الذي أعده عن الوضع العسكري الأمني في أفغانستان إلى الصحف ووسائل الإعلام. وشملت تلك المعلومات المتسربة مطالبته بإرسال نحو 40 ألف جندي إضافي، يتعذر ضمان تحقيق النصر بدونهم، على حد قوله. يذكر أن الجنرال ماكريستال علق في اليوم الثاني لخطاب أوباما الذي ألقاه ليلة الثلاثاء الماضي قائلاً إن عدد الـ30 ألف جندي إضافي الذي وعد به الرئيس سيكون كافياً لإنجاز المهمة التي يتولى هو قيادتها في أفغانستان. وبسبب افتقاره التام لأي خبرة عسكرية سابقة، وانشغاله بالأزمة الاقتصادية العالمية، وبخطته الخاصة بإصلاح نظام الرعاية الصحية في بلاده، وجد أوباما نفسه في الموقع الذي أراده له تماماً التيار الغالب في وزارة الدفاع، مع العلم أنه تيار يحظى بتأييد حركة المحافظين الجدد الصاعدة داخل أروقة الوزارة. وبالنسبة لممثلي هذه الحركة اليمينية المحافظة، فإن الحرب الأفغانية ليست فرصة متاحة لخوضها ميدانياً في ظرفها الزماني فحسب، وإنما هي أيضاً فرصة للثأر لبلادهم بأثر رجعي من حرب فيتنام. وهناك كثيرون في أوساط العسكريين والمحللين السياسيين يعتقدون أن هزيمة أميركا في حرب فيتنام قد نجمت عن طعنة غادرة سددتها الصحافة ووسائل الإعلام المرئية إلى ظهر الأمة خلال عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. كما تمخضت تلك الهزيمة العسكرية السياسية المخزية عن رعب الكونجرس وتفاوض إدارة الرئيس الأسبق نيكسون مع "هانوي" على اتفاقية لوقف إطلاق النار في وقت بدت فيه مؤشرات النصر العسكري الأميركي تلوح في الأفق، حسب نظر هؤلاء. وكانت الصيغة التقليدية للتكتيك الحربي الذي يتبناه دعاة هذه النظرية، هو "الصدمة والرعب" -وهذه صيغة ليست جديدة كما رأيناها وهي تطبق بكامل تفاصيلها في الحرب العراقية التي شنتها إدارة بوش في صيف عام 2003. وتقوم هذه الصيغة على تكتيك زيادة عدد القوات، وتنظيف المناطق الواحدة بعد الأخرى من عصابات ومليشيات التمرد، ثم فرض السيطرة عليها بالاستعانة بالقوات المحلية، بقصد منع عودة المتمردين إليها مرة أخرى. واليوم يمثل الدعاة الرئيسيون لهذه الاستراتيجية -الجنرالان بترايوس وماكريستال، إلى جانب المنظّر الحربي الأسترالي ديفيد كيلكولين بوزارة الدفاع- رجال الساعة وعرّابيها. وبسبب اندفاعهم للنجاح الذي حققته استراتيجية زيادة عدد القوات في العراق، وما نتج عنه من تمكن الولايات المتحدة من حصد مكسب استراتيجي لها هناك، بإقامة شراكة عسكرية مستديمة في ذلك البلد، يمتلئ هؤلاء بالحماس الآن لتحقيق نصر عسكري يرونه قريباً، ويعتقدون أن من شأنه بسط الأمن في كافة ربوع أفغانستان، ما يذلل الطريق أمام إعادة إعمارها. ثم ما الذي يمنع توسيع هذا الهدف كي يشمل إصلاح باكستان نفسها، طالما أن أفغانستان أصلحت واستقام حالها؟ غير أن كاتب هذه السطور يشكك كثيراً في إمكانية تحقيق هذه الطموحات، على رغم الفرصة التي منحت لدعاة هذه النظرية عبر خطاب الثلاثاء الذي ألقاه أوباما. والذي لم يدركه هؤلاء وأولئك هو أن إعطاءهم كل ما طالبوا به، يضعهم أمام خيار واحد لا ثاني له أمام الرئيس: تحقيق النصر، ثم النصر، ثم النصر. ولكن لنفترض أن الحرب التي راهنوا على الفوز بها لم تسر على ما يرام. ولنفترض أن عودة الجنود الأميركيين إلى ديارهم من أفغانستان لم تبدأ في عام 2011. ولنفترض كذلك أن الجنرال ماكريستال واجه ضرورة للمطالبة بزيادة أخرى لعدد جنوده في عام 2010 أو 2011. بل دعونا نصل إلى حد الافتراض الأشد سوءاً: أن تتمخض الحرب الأفغانية عن أزمة أو انهيار سياسي في باكستان. وضمن ذلك لنفترض أن الهند دخلت طرفاً في هذه التطورات -وهو احتمال وارد بدرجة كبيرة جداً- ألن يتسبب ذلك في نشوء أزمة إقليمية أوسع نطاقاً؟ علينا القول إن أوباما وجد نفسه، بعد مضي 10 أشهر على توليه المنصب الرئاسي، في ذات الموقف الذي وجد فيه الرئيس الأسبق ليندون جونسون نفسه عقب اغتيال جون كنيدي في عام 1963. فقد تملكه الخوف من عدم التدخل في فيتنام، وأن يتهم بجبن سياساته الخارجية. وفرضت عليه مؤسسة "هارفرد" التي كانت تسيطر حينها على رسم السياسات الخارجية واجب الدفاع عن "شرف" أمته في فيتنام، بما في ذلك توسيع الحرب وزيادة عدد القوات هناك. ولكن باتت نتيجة ذلك معروفة للجميع. ورفض جونسون خوض انتخابات التجديد في عام 1968، ليموت بنوبة قلبية في عام 1973. وانتخب بعده نيكسون في عام 1968، ليوسع الحرب ويغزو كمبوديا. وما حصل هنا أيضاً باتت نتيجته معلومة للجميع، كما رأينا، بكل أسف! ويليام فاف كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع "تريبيون ميديا سيرفيس"