التقى وزراء خارجية الـ44 دولة المشاركة في العمليات العسكرية التي يقودها "الناتو" في أفغانستان قبل يومين في بروكسل، بهدف مناقشة خطط العمل المستقبلية الخاصة بهذه المهمة. ولم يكن العام الحالي عاماً سهلاً سواء لأفغانستان أم للدول المشاركة بقواتها في المهمة الحربية الجارية هناك. بيد أن مرحلة جديدة من مراحل الجهد الدولي المبذول في أفغانستان قد بدأت للتو. فقد ألقى الرئيس الأميركي خطاباً بالغ الأهمية خلال الأسبوع الماضي، حدد فيه الإطار العام لاستراتيجية بلاده الخاصة بأفغانستان. وفي الخطاب نفسه أعلن أوباما عن التزامه بإرسال ما يزيد على 30 ألف جندي إضافي لدعم قواته المرابطة في أفغانستان. وخلافاً لكل المتشككين أكد أوباما التزام بلاده ببذل كل ما هو ممكن لإنهاء المهمة الحربية وتحقيق الأهداف التي شنت من أجلها. لكن هذه الحرب ليست حرباً تخص أوباما وحده. فكلنا يواجه ذات التهديدات والتحديات الناشئة عما يحدث في أفغانستان. والمقصود بهذه المهددات، تلك المرتبطة بالإرهاب والتطرف الديني، وبترويج المخدرات وغيرها. وبذلك تصبح الجهود المبذولة لمواجهتها جهوداً جماعية تحالفية لا تخص دولة أو إدارة بعينها، ولا بد من إنهائها بشكل جماعي تحالفي أيضاً. وعليه يعمل حلف "الناتو" في هذه المرحلة المهمة من تطور عملياته الجارية في أفغانستان على توحيد وتعزيز صفوفه مجدداً. وتتضمن الخطوات المقبلة الإعلان عن زيادة كبيرة في عدد الجنود الذين تشارك في إرسالهم ونشرهم الدول الأخرى الأعضاء في الحلف عدا عن الولايات المتحدة الأميركية خلال العام المقبل 2010. ويقدر عدد الجنود الإضافيين المتوقع نشرهم بحوالي 5 آلاف جندي، إضافة إلى نحو 38 ألفاً من الجنود غير الأميركيين المرابطين سلفاً هناك. ولكن لا تتوقف التغييرات المرتقبة خلال العام المقبل على زيادة عدد الجنود فحسب، إنما تشمل الاستراتيجية نفسها. ويمكن القول بوضوح استراتيجيتنا ودقة أهدافها. فنحن نعمل على نقل مسؤولية الأمن الوطني ومباشرتها إلى الأفغان بأسرع ما يمكن. ويعني هذا الدخول في مرحلة انتقالية تتولى خلالها القوات الأفغانية دور القيادة بينما تؤدي قواتنا دور الدعم والمساندة. وهذا ما يدعوني إلى ممارسة الضغط على حلفائنا وشركائنا وحثهم على توفير الموارد الكافية وتمويل عمليات التدريب التي نقوم بها هناك. فهذا هو الطريق الذي يمكننا من نقل قيادة عمليات الأمن الوطني للأفغان بأسرع ما يمكن. وإني على يقين من أنه وحال ما يرى المسؤولون والمواطنون الأفغان وكذلك الدول المساهمة بقواتها في عملية "الناتو" حالياً، هذا الانتقال يتحقق عملياً على الأرض بعد أن يتولى الأفغان زمام أمرهم الأمني، فسوف يرون في هذا التقدم نحو الانتقال ما يلهمهم ويحفزهم لتوفير المزيد من الدعم والمساندة. لكن من الواجب في الوقت نفسه التأكيد على أن "الانتقال" ليس لفظاً بديلاً لاستراتيجية الخروج، إنما يعني الانتقال إلى مرحلة جديدة من مراحل مهمة "الناتو" هناك. وخلال هذه المرحلة سيبدأ جنودنا أولاً تنفيذ نوع من الشراكة مع أقرانهم الأفغان في مختلف مستويات العمل العسكري الأمني، من ميادين العمليات وحتى مستوى القيادة العامة. كما يعمل جنودنا على توفير المعلومات والمهارات والخبرات التي تمكن الجنود الأفغان من الوقوف على أرجلهم من دوننا. وما أن تتوفر الظروف الملائمة -أي حين تتوفر للجنود الأفغان المهارات والثقة التامة بقدراتهم- نتوقع أن نتنقل بعدها إلى المرحلة التالية التي يتولى فيها الأفغان زمام القيادة وتخطيط وتنفيذ العمليات بأنفسهم، مستفيدين في ذلك من الدعم الذي تقدمه لهم قوات "الناتو"، فهذا هو طريق التقدم الذي نسلكه في المستقبل، وإني على ثقة تامة بأن في إمكاننا بدء السير فيه اعتباراً من العام المقبل. يذكر أن وزراء خارجية الدول المجتمعين ناقشوا كل هذه الخطط، مع ملاحظة أن الحوار لم ينحصر في العمليات العسكرية وحدها. فقد حظيت الاستراتيجية السياسية العامة لهذه المهمة بحظ كبير من الاهتمام والنقاش، بما فيها ما تتوقعه الدول الأعضاء وغير الأعضاء في الحلف من الحكومة الأفغانية الجديدة. ويقيناً فإن رشاد الحكم هو الوسيلة الأمثل لسحب الأوكسجين من رئة مقاتلي "طالبان". وبعد كل الالتزامات والتضحيات الكبيرة التي قدمتها الدول المشاركة في عمليات "الناتو" هناك، فإن من حقها المطالبة بما تتمخض عنه هذه العمليات سياسياً وأمنياً. من جانبه صدرت عن الرئيس كرزاي تصريحات واضحة تستحق الترحيب بها بحق. فمما يسعدنا أن نعلم ببدء إجراء التحقيق في ممارسات الفساد المنسوبة إلى بعض كبار المسؤولين. وتمثل هذه الخطوة بداية واعدة لإظهار نزاهة وأمانة المسؤولين الحكوميين، وهما ما يتطلع الأفغان والمجتمع الدولي على حد سواء لرؤيته بالفعل. وسوف تكون للمؤتمر الدولي الذي يعقد في لندن بهذا الخصوص في شهر يناير المقبل أهمية كبيرة كذلك. فهو مؤتمر يسعى لإبرام عقد شراكة جديدة بين الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي. أقول تارة أخرى إني على ثقة كبيرة بأننا سنرى زخماً جديداً وقريباً لهذه المهمة التي نقوم بها في أفغانستان. ففي العام المقبل ستكون هناك زيادة كبيرة في عدد القوات العسكرية المرابطة على الأرض، لا سيما وهي قوات تسخر جهودها كلها لتوفير الحماية اللازمة للمدنيين الأفغان. كما سنبدأ بتسليم القيادة الأمنية تدريجياً للأفغان، منطقة إثر الأخرى حسب ما تسمح به الظروف الميدانية والأمنية في كل منطقة. كما أتوقع أن تكون هناك التزامات محددة تتبعها أفعال ملموسة على الأرض من قبل الحكومة الأفغانية، حتى يتسنى لها الحصول على دعم وثقة مواطنيها بها. وفي الوقت نفسه نتوقع توفر المزيد من المساعدات التنموية لأفغانستان، منها التزام اليابان وحدها بتوفير 5 مليارات دولار لدعم المشروعات التنموية هناك. كما يتوقع تكثيف الجهود المدنية المرتبطة بهذه المهمة إجمالاً، ليس أقلها الجهود المرتبطة بخطة عمل الاتحاد الأوروبي المخصصة لإعمار بنى ومشروعات المجتمع المدني الأفغانية. علينا خلق الظروف المعيشية والأمنية والسياسية الملائمة لتجفيف منابع الإرهاب والتمرد "الطالباني"، وتوفر الضمان اللازم لعجز الحركة عن استقطاب المزيد من الشباب الأفغان إلى صفوف مقاتليها. وخلال العام المقبل سنرى بعضاً من بصيص ذلك الضوء في آخر النفق الأفغاني المظلم. أندريه فوج راسموسين ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أمين عام حلف "الناتو" ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"