قبل حوالي عشرين عاماً أباد الفلاح لويز ألبرتو بورتوليني الأشجار والغابات النامية من حوله واستبدلها بزراعة محصول فول الصويا. وبذلك كان بورتوليني في طليعة الفلاحين البرازيليين الذين حولوا تلك الأراضي البور إلى مزارع مزدهرة اقتصادياً وتجارياً في زمن قياسي. لكنه قرر اليوم زراعة تلك الأراضي بالأشجار بمشاركة مئات الفلاحين الناجحين مثله، استجابة لمبادرة حكومية تهدف إلى الحد من إزالة الغابات. والهدف الذي يعمل من أجله هؤلاء الفلاحون هو تخصيص نسبة 30 في المئة من مزارعهم لنمو الأشجار والنباتات الطبيعية. لا شك أن هذه المبادرة تعد ثورية في دولة طالما عرفت برفضها وتمردها على أي محاولات لفرض قيود بيئية عليها. وتأكيداً لأهميتها وعزم الفلاحين على تطبيقها، قال بورتوليني -البالغ من العمر50 عاماً ويملك حقلا مساحته 6200 فدان- إن من الواجب تنفيذ هذه المبادرة لأنها تصب في مصلحة الفلاحين الذين يعتمدون أكثر من غيرهم على البيئة وحمايتها. وتقف وراء هذه المبادرة دوافع السوق، إضافة إلى الضغوط الممارسة على الحكومة البرازيلية. وقد بادرت هذه الأخيرة بالنظر في عدة تصورات ومقترحات قدمت لها مؤخراً بشأن الحد من إزالة الغابات المطرية التي قفزت بسببها البرازيل إلى مقدمة الدول العالمية المتسببة في انبعاث غازات بيت الزجاج. ويذكر أن البرازيل أعلنت مؤخراً عزمها خفض انبعاثاتها من الغازات بحوالي 38.9 في المئة بحلول عام 2020. ويشكل هذا التعهد البرازيلي حافزاً كبيراً لدول العالم الأخرى لاتخاذ خطوات مماثلة خلال قمة كوبنهاجن للتغير المناخي في شهر ديسمبر الجاري. وعلى حد تعليق ديفيد كليري -المشرف على استراتيجيات حماية البيئة في منطقة أميركا اللاتينية نيابة عن منظمة "حماية الطبيعة" الدولية- فإن ما يتجه نحوه المسؤولون البرازيليون هو وقف ممارسات إزالة الغابات كلياً بحلول عام 2030. ويصف "كليري" هذا الالتزام من جانب البرازيل بأنه يفوق أي التزام آخر قطعته على نفسها البرازيل من قبل. والملاحظ أن إزالة الغابات قد انخفضت هناك منذ عام 2006 نتيجة للتهديدات الحكومية بفرض عقوبات على المزارعين، وبسبب رفع مستوى تنفيذ قوانين حماية البيئة، بما فيها تشديد الرقابة والعقوبات على استخدام المناشير الكهربائية التي دمرت الجزء الغالب من أشجار الغابات المطرية البرازيلية التي تعد الأكبر والأهم عالمياً. لكن رغم هذه الإجراءات والعقوبات، استطاع الفلاحون إزالة مساحة من هذه الغابات تعادل مساحة كونيكتيكت الأميركية خلال العام الماضي. كما يبدي الناشطون البيئيون قلقاً من مشروعات تعبيد الطرق في مناطق الأمازون وكذلك من مشروعات إقامة السدود المائية المخصصة لتوليد الطاقة الكهربائية مائياً هناك. وفي الوقت نفسه تواصل مجموعة من المشرعين ضغوطاً متصاعدة على الحكومة بغية إرغامها على التخفيف من شدة قوانين حماية الغابات السارية حالياً، خاصة ذلك التشريع الذي يلزم الفلاحين في غابات الأمازون بتخصيص نسبة 80 في المئة من مزارعهم لاستنبات الأشجار والنباتات الطبيعية. ويعلق كريستيان بيورير -منسق البرنامج البرازيلي عن منظمة "أمازون ووتش"- على تعارض مواقف الأطراف المعنية بحماية الغابات في البرازيل بالقول: إن المشروعات الصغيرة الناشئة مثل "مبادرة لوكاس"، باتت تهددها قوى لها مصلحة في التخفيف من صرامة القوانين والتشريعات المعنية بحماية البيئة والغابات، وبالتالي لها مصلحة كذلك في الحد من التزامات البرازيل بخفض انبعاثاتها من الغازات المسببة للاحتباس الحراري. غير أن هناك مجموعة من الفلاحين وملاك المزارع تعمل جنباً إلى جنب البيئيين من أجل تنفيذ المشروعات الهادفة إلى خلق نوع من التوازن بين التنمية والاستثمار وحماية البيئة. ويدفع هؤلاء المزارعين دافع رئيسي مشترك يتمثل في تزايد مطالبة مشتري المنتجات الزراعية، من فول الصويا إلى اللحوم وغيرها، بائعي هذه المنتجات من المزارعين بإبراز شهادات تؤكد اتباعهم للممارسات الصديقة للبيئة عند إنتاجهم لتلك السلع التي يعرضونها للأسواق العالمية. وهذه هي الرسالة التي سارع لالتقاطها مزارعو "مبادرة لوكاس" الذين يبيعون منتجاتهم للشركات العالمية العملاقة مثل "كارجيل" و"بنج" وغيرهما. وكما قال كليري -ممثل منظمة "حماية الطبيعة" العالمية- فإن المزارعين في البرازيل ليسوا ملائكة، شأنهم في ذلك شأن غيرهم من المزارعين في مختلف أنحاء العالم، والذين تهمهم بالدرجة الأولى مضاعفة منتجاتهم وأرباحهم قبل المحافظة على البيئة. لكنهم مع ذلك يستجيبون بسرعة متى ما أدركوا أن من مصلحتهم المحافظة على البيئة قبل كل شيء. إدراك هذه المصلحة هو ما يجذب مزيداً من الفلاحين للانضمام إلى "مبادرة لوكاس" الهادفة لحفظ التوازن ما بين الاستثمار والحفاظ على البيئة. ومن بين هؤلاء الذين جذبتهم المبادرة، مارينو فرانز الذي هاجر إلى الجزء الشمالي من البرازيل، متفادياً تزاحم المزارعين في جنوبي البلاد الأكثر كثافة سكانية. وقد لاحظ "مارينو" مدى اهتمام المستوردين الأوروبيين بصداقة المنتجات البرازيلية الزراعية. وقال إنهم يبدون اهتماماً خاصاً بمدى التزام فول الصويا البرازيلي بالاعتبارات البيئية. ويذكر أن فول الصويا يعد أحد الصادرات البرازيلية الرئيسية، وهذا ما دفع السلطات إلى توحيد جهودها مع "منظمة حماية الطبيعة" من أجل الحفاظ على مزيد من التوازن بين الاستثمار وحماية البيئة. جوان فوريرو كاتب أميركي متخصص بقضايا البيئة ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"