دروس إنفلوانزا الخنازير لعام 1976!
فيما يتلقى عدد متزايد من الناس لقاح "إتش1 إن1"، يلقي لقاح سابق بظلال غامضة على العملية الرامية إلى تطعيم 200 مليون شخص على مدى الأشهر القليلة المقبلة. فقد أدى لقاح صنع عام 1976 ردا على سلالة مختلفة من "إتش1 إن1" إلى انتشار شكل نادر من الشلل؛ حيث طور حوالي 400، من أصل الـ43 مليون شخص الذين تلقوا اللقاح، "متلازمة جيان- باري"، المعروفة اختصارا بـ"جي بي إس"، توفي منهم 25.
بيد أن مسألة ما إن كانت مفاجأة مماثلة غير متوقعة قد تحدث مع لقاح إنفلوانزا الخنازير لهذا العام، تمثل علامة استفهام كبيرة تخيم على جهود التطعيم الحالية -وإن لم يتم الاعتراف بها رسميا. وهذه الإمكانية هي التي تفسر لماذا تقوم "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" حاليا بالتبليغ بشكل مستمر عن أي تأثيرات جانبية للقاح الجديد يتم اكتشافها، وإن لم تظهر حتى الآن أي تأثيرات.
وخلافا لفيروس اليوم، فإن فيروس 1976 لم ينتشر أبدا إلى خارج المكان الذي ظهر فيه لأول مرة بقاعدة عسكرية في نيوجيرسي. ولأنه لا شيء كان يرجى من التطعيم، فإن حملة الانتشار أوقفت بعد أقل من ثلاثة أشهر. وبالمقابل، سعى العلماء، على مدى الأعوام الخمسة عشر التي أعقبت "قضية إنفلوانزا الخنازير"، إلى تحديد ما إن كان لقاح 1976 قد زاد من خطر إصابة الأشخاص الملقَّحين بـ"جي بي إس" وإلى أي مدى؛ غير أنه لم يتم القيام بأي شيء تقريبا من أجل معرفة كيف ولماذا يحتوي لقاح الإنفلوانزا على ذلك التأثير. وهو ما دفع بعض مسؤولي الصحة العامة إلى التعبير عن ندمهم حيث يعترف "مايكل أوسترهولم"، وهو طبيب يرأس "مركز بحوث وسياسة الأمراض المعدية"، ويقول: "كان يتعين علينا أن نبذل جهودا كاملة لفهم ما حدث من الناحية البيولوجية".
ويذكر أن كلا من سلالة 1976 وسلالة "إتش1 إن1" الجديدة مرتبطتان ارتباطا وثيقا بالفيروسات التي تنقلها الخنازير، ما يدفع المرء للتساؤل حول ما إن كان هذا "الجانب الخنزيري" هو الذي يزيد من احتمال أن تتسبب اللقاحات في تأثيرات غير مألوفة. وفي هذا السياق، يقول "بيتر باليس"، المختص في علم الفيروسات بكلية "ماونت سيناي" (جبل سيناء) الطبية في نيويورك: "ذاك هو السؤال الصحيح الذي ينبغي طرحه، وأود أن أؤكد أن لا أحد يعرف الجواب في الحقيقة".
وحسب أوسترهولم ، فإن الباحثين توقفوا عن النظر إلى 1976 بعدما لم تظهر مشاكل مرتبطة بلقاحات الإنفلوانزا إذ يقول: "بعد مرور بضعة مواسم لم تظهر فيها أي أخطار غير مألوفة بعد تلقي لقاحات الإنفلوانزا العادية، توقفنا عن مواصلة البحث".
ويذكر في هذا السياق أيضاً أن لقاح "إتش1 إن1" يُصنع ويُختبر ويُعطى بنفس الطريقة التي يُصنع ويُختبر ويُعطى بها لقاح الإنفلوانزا الموسمية. ولا يوجد ما يبعث على الاعتقاد بأن اللقاح أكثر خطورة من لقاح الإنفلوانزا العادية، الذي يعادل خطر حدوث تأثيرات جانبية خطيرة بسببه الصفر تقريبا. غير أن ذلك كان ينطبق على لقاح 1996 أيضا.
وتتسبب "متلازمة جيان- باري"، والتي سميت كذلك نسبة إلى الطبيبين الفرنسيين اللذين اكتشفاها عام 1916، في الضعف والشعور بوخز خفيف يبدآن بالساقين، لكنهما يمكن أن يؤثرا مع مرور الأسابيع على معظم عضلات الجسم حيث تحدث هذه الأعراض نتيجة تلف المادة العازلة على خارج الألياف العصبية. غير أنه في الظروف العادية، تحدث متلازمة "جي بي إس" بمعدل حالتين تقريبا لكل 100 ألف شخص في السنة. إذ رغم أن حوالي 5 في المئة فقط يموتون، فإن نحو الثلث يقضون بعض الوقت في العناية المركزة بمساعدة "أجهزة التنفس الاصطناعي" قبل أن تتحسن أحوالهم، بينما يظل الثلث تقريبا يعاني من الضعف حتى بعد ثلاث سنوات على الإصابة.
وبعد وقف حملة التلقيح لعام 1976 في السادس عشر من ديسمبر من ذاك العام، تركز الجزء الكبير من العمل على محاولة تحديد ما إن كانت الزيادة في حالات متلازمة "جي بي إس" حقيقية، أو أنها مجرد زيادة اعتباطية؛ غير أن الإحصاء الحذر لسكان مناطق محددة -أبرزها ولايتا مينيسوتا وميشيجن- أثبت أن الارتفاع حقيقي، حيث تضاعف خطر الإصابة بما بين أربع وسبع مرات خلال الأسابيع الستة بعد تلقي لقاح إنفلوانزا الخنازير، بينما تراوح عدد الحالات المنسوبة إلى اللقاح ما بين 5 و12 عن كل مليون شخص تم تطعيمه.
ويذكر هنا أن الدراسات والبحوث التي تخضع لها اللقاحات قبل طرحها في الأسواق تشمل عددا قليلا جدا من الأشخاص مما لا يسمح بالكشف عن الأشياء الضارة التي تحدث بمثل هذه الوتيرة المنخفضة جدا. ولذلك، فإنه لم يتم رصد خطر "جي بي إس" في اختبار لقاح 1976، ولذلك أيضا من المتوقع ألا يتم اكتشافه في اختبارات هذه السنة كذلك.
ديفيد براون
كاتب متخصص في الشؤون العلمية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"