المفكر الباحث جمال البنا وهو أخ الداعية حسن البنا الذي أسس جماعة "الإخوان المسلمين" المشهورة عام 1928، له آراء حتى لا نقول فتاوى غريبة تخالف ما هو متعارف عند الفقهاء بصورة عامة، مثل جواز التقبيل بين الخطيبين إذا طالت مدة الخطبة، أو جواز التدخين في رمضان، فضلا عن موقفه من الأحاديث النبوية التي قام بتنقيتها وفقاً لما يقبله العقل وبما يتسق مع القرآن الكريم. وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف حول آرائه التي لا تملك قوة فرضها على المسلمين أو أن تقرر تشريعاً جديداً، إلا أن فقهاء الأزهر لهم موقف متشدد من هذه الآراء بالرفض واتهام جمال البنا بالخروج عن الدين. بل سمعت أحدهم في مقابلة تلفزيونية تناقلها مشاهدو الشبكة الإلكترونية يقول إنه لو كان أخوه حسن البنا حيّاً لقام بإعدامه في الشارع العام. وهناك من طالب بقتله علناً في خطبة جمعة. وأتساءل: لماذا هذا الموقف المتطرف بالمطالبة بالقتل والتكفير لرجل له مؤلفات دينية عديدة، لمجرد أنه خالف بقية الفقهاء في بعض المواضيع؟ لماذا لم يقوموا بمحاورته حول هذه الآراء وتبيان خطئها دينياً كما يعتقدون؟ لماذا اللجوء إلى لغة إهدار الدم؟ هل دم المسلم رخيص إلى هذا الحد؟ علماً بأن القرآن الكريم قد حدد المواضع التي يجوز فيها قتل الإنسان. لماذا لم يردوا عليه بكتابات معارضة لما قاله وتقديم الأدلة الشرعية على بطلان آرائه، رغم أن الإسلام لا يجيز محاكمة الآراء الشخصية حتى ولو كانت دينية. إن مثل هذه المواقف التكفيرية والدموية لفقهاء تجاه من يعتقدون أن آراءه مخالفة للدين، تطرح سؤالا مهماً في الثقافة العربية والدينية: لماذا لا تكون بين الفقهاء لغة "حوار"؟ وحسب علمي أن هذه الثقافة لا تلجأ للغة الحوار بل تقوم بإصدار الأحكام وفقاً للرؤية الشخصية؟ وإصدار الأحكام بالإدانة يعد أخطر شيء يلجأ إليه الإنسان، بل هو دلالة على عدم وجود ثقافة الحوار بين أطراف المجتمع. بسبب إصدار حكم ديني شخصي بالكفر على المفكر المرحوم فرج فودة، قام أحد الأشخاص باغتياله. وكذلك الأمر بالنسبة للمرحوم الأديب العالمي نجيب محفوظ الذي اعتدى عليه أحد الجهلة، والذي لم يقرأ له شيئاً. والمفكر نصر حامد أبو زيد الذي حُكم عليه بالتفريق بينه وبين زوجته. بل إن هناك كثيراً من جهلة المسلمين لديهم الاستعداد لارتكاب جريمة قتل كل من يصدر عليه حكم بالكفر من رجال الدين. لقد عرف اليونانيون في دولة المدينة في القرن الخامس قبل الميلاد لغة الحوار، وآمنوا بأن حل المشاكل لا يكون إلا بالحوار. في حين أن المسلمين لا يزالون يرفضون لغة الحوار هذه في القرن الحادي والعشرين! في حين أن العرب المسلمين أحوج ما يكونون إلى ذلك في ظل الصراع المستمر بين الجماعات الدينية المختلفة من جانب، والصراع الليبرالي- الديني من جانب آخر، بما أدى إلى عدم استقرار هذه المجتمعات ثقافياً وفكرياً واجتماعياً. وأعتقد أن افتقاد لغة الحوار بين الأطراف المختلفة يعود إلى عدم وجود أرضية فكرية مشتركة تضم جميع الأطراف. ومما يؤسف له أنه لا يكاد يبين في الأفق العربي- الإسلامي أي احتمال لقيام لغة حوار بين هذه الأطراف، نظراً لأن كل طرف يرى في هزيمته انعداماً لوجوده على الساحة. فالإسلاميون يرون أن المستقبل لهذا الدين كما يرى سيد قطب، والليبراليون أن المستقبل لليبرالية، فأين يلتقيان؟ ونتمنى لو تتعطل لغة الكلام في الحب بدلا من الكره.