في الوقت الذي يواجه فيه أوباما السؤال الصعب: هل يقوم بإرسال المزيد من القوات المقاتلة الأميركية إلى أفغانستان على رغم الفساد المتفشي في الحكومة الأفغانية؟ لا تمنح الإدارة الأميركية سوى قليل اهتمام لبعد قد يكون أكثر أهمية لجهودها الرامية لتعزيز الإصلاح -وهو العثور على مقاربة أفضل لبناء قوات الشرطة في أفغانستان. وعلى رغم أن قوة الشرطة الأفغانية قد أظهرت بعض بشائر الأمل، وأن العديد من الضباط هناك يخاطرون بحياتهم يومياً دفاعاً عن أمتهم، إلا أن تلك القوة -بشكل عام- كانت مصدراً رئيسياً من مصادر خيبة الأمل. ولا حاجة للتذكير بأن الفساد، وإنتاج وتعاطي المخدرات، من الظواهر المتفشية في أفغانستان، كما يعاني الكثير من السكان من الابتزاز عند نقاط التفتيش والحواجز الأمنية المقامة على الطرق (وأتصور أن بعضهم ربما يفضلون نقاط التفتيش والحواجز الأمنية التي تقيمها المليشيات المتطرفة على تلك التي تقيمها الحكومة، وذلك بسبب جشع بعض رجال الأمن في الحصول على الرشاوى وميلهم إلى ممارسة الابتزاز). وفي زيارة قمت بها مؤخراً إلى قندهار وهلمند سمعت عن مسح غير رسمي تم إجراؤه لآراء سائقي الشاحنات في الجنوب، وتبين خلاله من إجابات السائقين، أن الواحد منهم يضطر إلى دفع رشاوى ست مرات لكل رحلة يقوم بها. ومع ذلك، فإن من الدلائل المشجعة التي كشف عنها الاستفتاء نفسه، أن عدد حالات الابتزاز وتلقي الرشاوى في نقاط التفتيش والحواجز الأمنية التي يسيطر عليها الجيش، كانت إما محدودة جداً، أو منعدمة تماماً. يشار إلى أن تدريب قوات الشرطة الأفغانية كان غير منتظم وغير متقن، حيث تتراوح نسبة من تلقوا التدريب قبل أن يلتحقوا بصفوفها ما بين 20 إلى 25 في المئة. ومن بين من التحقوا بتلك القوات كان هناك كثيرون يهربون من الخدمة، ويعودون مجدداً للانضمام لصفوف المجموعات المتطرفة، التي تدفع لهم رواتب أفضل من تلك التي يتلقونها من الحكومة. بيد أن الكثير من هذه الظواهر آخذ في التغير في الوقت اللازم. وعلى رغم أن الطريق لا يزال طويلا إلا أن الجهود العديدة التي يتم بذلها في الوقت الراهن في مجال إصلاح قوات الشرطة تشير إلى وجود أساس قوي، يمكن البناء عليه، من أجل تحسين كفاءة ونزاهة المؤسسات الأفغانية الكبيرة وليس جهاز الشرطة وحده. وهناك في الوقت الراهن مشروع قرار مطروح أمام البرلمان بزيادة رواتب قوات الشرطة، وزيادة قيمة التعويضات الممنوحة لذوي الجنود والضباط الذين يلقون حتفهم أثناء أدائهم للواجب. ومن المتوقع أن يؤدي إقرار هذا القانون إلى تحسين أحوال رجال الشرطة، ومن ثم تخفيض حالات الابتزاز ، والرشوة. ويشار في هذا السياق إلى أن وزير الداخلية الأفغاني "محمد حنيف أتمار"، الذي يشرف على تطوير قوات الشرطة، قد فرض شروطاً أكثر صرامة لتعيين رؤساء الشرطة الإقليميين من أجل تجنب الفساد، وأقال عدداً من هؤلاء ممن لم يستوفوا تلك الشروط. وفي الحقيقة أن أعمال "أتمار" تبين أنه، وإن كانت الحكومة الأفغانية تعاني من بعض العيوب، فإن الرئيس كرزاي نجح في تعيين بعض الموظفين الجيدين الذين يتصرفون بقدر كبير من المسؤولية. وقد اقترح قائد القوات الأميركية في أفغانستان إقامة نوع من "الشراكة" مع القوات الأفغانية. وبموجب هذا المفهوم، تشترك كل وحدة من وحدات الجيش الأفغاني، وكل وحدة من قوات الشرطة، مع وحدة مماثلة من قوات "الناتو" تكون قريبة منها في الحجم. وستعيش تلك الوحدات التابعة، وتتدرب، وتنتشر، وتقاتل معاً، لفترة لا تقل عن عدة شهور. وبدلا من ألا يكون لديها أي نوع من أنواع التدريب كما كان الحال من قبل، فإن وحدات الجيش والشرطة الأفغانية سيتعين عليها بموجب هذا النظام، قضاء عدة شهور، إن لم يكن عدة سنين، في التدريب والتعلم من تجارب وحدات أطول تجربة وأطول خبرة. وهذا النظام سيعطي قادة "الناتو" معلومات أكثر عن القادة الذين يمكن الاعتماد عليهم في قوات الأمن الأفغانية، وأولئك الذين لا يمكن الاعتماد عليهم. وهو ما سيتيح الفرصة للتقدم بطلبات للسلطات الأفغانية لتبديل الأشخاص غير الأكفاء أو الفاسدين. على أن الخطط الرامية لتطوير قوات الشرطة الأفغانية تتجاوز موضوع الفساد، لتشمل زيادة حجم القوة عن حجمها الحالي وهو 95 ألف رجل ليصل العدد إلى 160 ألف رجل، خلال السنوات المقبلة، وهو ما يعني أن القوات التي تعاني من ضغط المهام في "الناتو" ستحصل على المزيد من الإجازات. ومن المفترض لهذا النظام كذلك أن يزود قوات الشرطة بالمزيد من الدعم الذي يمكنها من مواجهة مقاتلي "طالبان"، وغير ذلك من التحديات بما يؤدي في النهاية إلى تخفيض معدل خسائرها. وفي الوقت الراهن الذي ينظر فيه أوباما في الطلب الذي تقدم به كبير القادة الأميركيين في أفغانستان الجنرال ماكريستال بإرسال المزيد من القوات إلى ذلك البلد لمواجهة تمرد "طالبان" المتفاقم، والذي ينظر في الوقت نفسه إلى الطرق الكفيلة بممارسة ضغط على كرزاي من أجل تعزيز الجهود الرامية لمقاومة الفساد، فإننا يجب أن نتذكر في هذا الصدد أن إصلاحاً ممنهجاً لقوات الشرطة في العراق كان عنصراً من العناصر الرئيسية لنجاح خطة ضخ المزيد من القوات هناك في عام 2007. وهذا الإصلاح ساعد في مجالين معاً: مجال تحسين القدرات الأمنية وجهود مقاومة الفساد في ذات الوقت. والشيء نفسه بدأ يحدث في أفغانستان، ويعتبر في تقديري سبباً رئيسياً يدعونا إلى النظر بمزيد من التفاؤل والأمل للمحصلة التي ستسفر عن مهمتنا الحالية في ذلك البلد. مايكل أوهانلون زميل أول، ومدير الأبحاث بمعهد "بروكينجز" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"