سألني صديقي العراقي: هل تصدق بأن المغول قد غزوا دار الخلافة العباسية في بغداد، ودمروا العالم الإسلامي؟ وتعجبت من سؤال، الكل يعلم إجابته كما تروي كتب التاريخ؟ قلت له: هات ما عندك. قال: لننظر إلى الشواهد التالية: المسجد الأموي لا يزال موجوداً، في حين أنه لا وجود لأي أثر تاريخي للعباسيين! ثم انظر إلى وجوه العراقيين، هل ترى قسمات وصفات المغول؟ كيف لغزو واحتلال مغولي لبغداد يغادر دون أن يترك آثارا في الجينات الوراثية؟ هل يُعقل أنهم لم يتزوجوا ولم يخالطوا السكان الأصليين للبلاد؟ لو نظرنا مثلا لليابانيين بعد الحرب العالمية الثانية ومخالطتهم للأميركيين، سنجد تغيراً في ملامح وطبيعة الجسم لديهم، بل إنهم أصبحوا أكثر جمالًا. وكذلك الأمر مع شمال السودان الذين اختلطوا بالفاتحين العرب، والصوماليين والسنغال، جميعهم تختلف ملامح وجوههم عن بقية البلاد الأفريقية الأخرى من جهة ملامح الزنوجة. فالبلدان التي اختلطت بالفاتحين العرب اكتسبت منهم سمات جديدة. كذلك الأمر بالنسبة لما خلفته الحضارات القديمة حيث نرى لهم آثارا من القصور البائدة، كالرومان أو الألواح الطينية أو المخلفات الفخارية التي تدل على أنشطة حياتهم اليومية. وما من حضارة إلا وتركت وراءها من الآثار والدلائل ما يثبت وجودها، إلا الحضارة الإسلامية، وبالذات الحضارة العباسية التي عمرت ما لا يقل عن خمسة قرون عظيمة، لكن هل كان دمار التتار للحضارة العباسية إلى تلك الدرجة بحيث أنك لا ترى للعباسيين من باقية؟ صحيح أن بغداد شاهد حي على وجود العباسيين، لكن ماذا عن القصور الفخمة والأسواق العامرة والمساجد والبيوت؟ هل يمكن القول إن التاريخ لم يكن صادقاً فيما يتعلق بمنجزات العباسيين؟ وإذا كان مسجد ليس بتلك الفخامة أو متانة البنيان مثل المسجد الأموي لا يزال شاهدا على قيام الخلافة الأموية التي لم تكن لديها منجزات حضارية بسبب بداوتها، ولم تعمر سوى قرابة خمسة وسبعين عاماً، أو أكثر قليلًا، فكيف بحضارة دامت خمسة قرون ولا تخلف شيئاً وراءها؟ أين دار الحكمة التي أسسها الخليفة المأمون، وهي درة تاج العلم في ترجمة التراث اليوناني؟ لقد أثار صديقي في عقلي جملة من التساؤلات التي أسمعها لأول مرة، لكنها أسئلة مشروعة ومفتوحة للبحث والتحري في مدى صدق مقولات الغزو التتري لبغداد، ومدى فخامة الحضارة العباسية. ولا يختلف اثنان على أن التاريخ الموجود بين أيدينا لا يتعدى ما ورد في كتب التاريخ، وهو تاريخ شفهي يقوم على الرواية لا الدراية. وبسبب التحريم الديني للرسم والتصوير لم نتمكن من التعرف حتى على نوعية وشكل ملابس العامة والخاصة والملوك والأمراء، أو صور الأبنية والغرف، كما هو الحال في الحضارة الأوروبية. ويبدو غريباً أن لا يلجأ العباسيون إلى الرسم رغم تأثرهم بالحضارات الهندية والفارسية والصينية المليئة بالرسوم والصور كما هو ثابت من معابدهم على سبيل المثال. إن الإجابة على هذه التساؤلات وغيرها تحتاج إلى جهود علماء الآثار، فهم المختصون بالكشف عن آثار الماضين، وللأسف أن هذا الاختصاص ليس مما يهم العرب اليوم. فلولا جهود الإنجليز والفرنسيين لما عرفنا قراءة الرسوم الفرعونية أو اللغة الهيروغليفية. وقد سرق هؤلاء الآثار الفرعونية وحفظوها للعالم، ولو كانت في مصر في ذلك الزمن لربما تم تدميرها بسبب الجهل. لقد كانت تلك الآثار مطمورة في الرمال تحت أقدام المصريين، حتى جاء المستعمرون بعلمهم الذي اخترعوه في البحث عن الآثار، ليستخرجوا كنوز مصر، وليتعرف عليها العالم. هل حان الوقت للبحث من جديد عن العباسيين؟