الـ"الأرابيزي" لغة شبابية خالصة، اخترعها الشباب ربما من باب التسلية والتلاعب باللغة العربية، ودمجها بلغتهم الإنجليزية الضعيفة. وأيّاً كان الأمر فإن هذا الاختراع اللغوي الفريد من نوعه يستدعي الانتباه إلى أهمية دور العولمة على مستوى اللغة، إذ ربما كانت للأجانب لغة مماثلة فيما بينهم. وما كان لهذه اللغة أن تظهر لولا اختراع الهاتف النقال والتقنيات المتطورة الحاصلة فيه. تتلخص هذه اللغة في القدرة الفائقة على خلط الأرقام والأحرف الإنجليزية باللهجة العربية فنقول مثلًا ( halla wallah ) أو استخدام رقم (7 ) للدلالة على حرف الـ(الحاء) أو رقم (3) للدلالة على حرف الـالعين). هذه الكتابة الغربية تحتاج إلى فن خاص لقراءتها بسرعة، وغالبا ما كنت أتجاهل مثل هذه الرسائل، ويغضب مني بعض الأصدقاء لعدم الرد عليها، والسبب ببساطة هو أنني لا أفهمها. وحيث أنها لغة منتشرة بين الشباب، تساءلت ما إذا كانت تمثل نوعاً من التمرد على المألوف مما هو طباع الشباب وحبهم لمخالفة الناس؟ أم أن استخدام هذه اللغة يعطي نوعاً من التميز لهم عن غيرهم، حيث تكون لهم لغة خاصة بهم؟ وفي جميع الأحوال إننا إزاء ظاهرة من ظواهر العولمة، التي أخذت تعيد تشكيل كل شيء في حياة الناس والدول، حيث تسقط الحواجز الحدودية، وحيث يتواصل الناس بلا قيود رسمية. ومن ظواهر العولمة أيضاً ضعف التواصل الإنساني، حيث تكاد الرسائل الشخصية آخذة في الاختفاء كوسيلة تواصل طبيعية درج الناس على استخدامها منذ زمن طويل. وما عاد مألوفاً مشاهدة مثل هذه الرسائل سوى في الدول الفقيرة التي لا تستطيع الحصول على الهواتف النقالة. ففي مكاتب البريد مثلًا في الدول الخليجية لا تشاهد سوى الآسيويين وهم يرسلون أو يتلقون الرسائل المعتادة. فالرسائل عبر الجوال بين الشعوب الغنية، قد ألغت مثل هذه الوسيلة الإنسانية اللطيفة. كذلك الأمر بالنسبة للتواصل في الأعياد، حيث يكتفي كثير من الناس، خاصة الشباب بإرسال التهاني بالأعياد الدينية والمناسبات الوطنية أحياناً عبر الرسائل الهاتفية. بل إن كثيراً منهم يبرمج هاتفه النقال لإرسال عشرات الرسائل لعشرات الأشخاص خلال ثوان معدودة، وبذلك لا يحتاج للذهاب لمعايدة الآخرين شخصياً. هذه الظواهر التي رافقت العولمة على مستوى المكالمات الهاتفية عبر الجوال، وفرت لشركات الاتصالات تحصيل الملايين من الدولارات، حيث لم يتوقف الأمر عند إرسال الرسائل المختلفة، بل تعدى الأمر إلى إرسال رسائل متنوعة وحكم وأمثال وأغان وأشعار ونغمات موسيقية وأغان مختلفة...وتفسير الأحلام والفتاوى! المشكلة في ظاهرة العولمة أنها تأتينا كل يوم بشيء جديد يعمل على تفكك التواصل الإنساني بين الناس. فمعظم الشباب يقضون معظم وقتهم أمام الحاسوب ومنهم من يمتلك القدرة التقنية على اختراق البرامج المختلفة، مما أدى إلى خلق نوع جديد من الجرائم لم يكن معروفا من قبل، وزاد الطين بلّة ظاهرة انتشار الواقع الافتراضي حيث أصبح بالإمكان الانعزال عن المجتمع الحقيقي والانتساب لمجتمع افتراضي وهمي عبر أجهزة الكمبيوتر الشخصية. المشكلة الأكبر من ذلك أننا نحارب هذه الظواهر بالمنع وإغلاق المواقع الإلكترونية، وهو أمر لا يحقق الغرض منه بسبب وجود البرامج التي تتيح الوصول إلى أي موقع إلكتروني. ولسنا بحاجة إلى الإشارة لما توفره بعض هذه المواقع من المتع الحرام، بل والقدرة على التحول إلى عالم الإرهاب من خلال المواقع التي تعلم كيفية صنع القنابل أو كيفية قتل الآخرين. للعولمة خيرها وشرها، والحكم هو الإنسان.