مع مرور الذكرى السنوية الخامسة لرحيل القائد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، يتجدد العهد، مرة أخرى ومرات، مع أسمى معاني وقيم الخير والنماء والعطاء التي أسستها ورسختها مدرسة زايد السياسية والفكرية والإنسانية. وهي القيم الراقية والمعاني السامية والسياسات الرشيدة ذاتها التي ننعم الآن بالعيش الكريم تحت أفيائها الوارفة بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله ورعاه، وسياسات ومواقف حكومتنا، التي تسير على نهج زايد الخير، مُسطِّرة مع شروق شمس كل يوم جديد إنجازات ومكتسبات حضارية كبيرة لصالح الإمارات وشعبها، سائرة بإذن الله تعالى بهذا الوطن الغالي خطوات وخطوات في مدارج الرفعة والعُلى والتقدم والازدهار. مواصلةً، في الوقت نفسه، نهج زايد الخير في مد أيادي العطاء والإخاء للتخفيف من معاناة كل المحرومين والمكلومين في هذا العالم الفسيح، على اختلاف انتماءاتهم، وألوانهم، وأديانهم، وفق دبلوماسية الأيادي البيضاء، الإنسانية الكريمة التي ينال من خيرها العميم القاصي والداني، وهي ما جعل الإمارات، وقيادتها، وشعبها، على رأس الدول الأنجح دبلوماسياً في المنطقة والعالم. وفي هذه المناسبة، تزداد القناعة والتعلق، بقيم مدرسة زايد الخير الخالدة ورسالتها التنموية والتنويرية الراسخة في عقل ووجدان كل مواطن إماراتي، وكل إنسان عربي، بل وكل إنسان حر مجبول على حب الخير والحق، متطلع إلى قيم البناء والنماء والتسامح والسلام، في كل زمان ومكان. وبذلك تبقى مدرسة زايد الخير على مر الزمن نبراساً ينير الدروب، وشلال عبقرية وعطاء يضيء مسارات التنمية، وينبوع إرادة وصدق يحفز توثب العزيمة والإلهام في سماء الوطن، والعروبة، والنصر. إن مدرسة زايد الخير الموعودة بالخلود، وعدت فأنجزت الوعد، وبنَت الوطن فأعلت بناءه، وكفت ووفت مع الشقيق والصديق، وأثبتت أنه مهما تكن العقبات والتحديات، فإن إرادة الحياة والنجاح لا مكان أمامها لأية قيود أو حدود. وأن شعب هذه الأرض الطاهرة، الذي كان زايد الخير هو إرادته القوية، وعزيمته الصلبة، والأمين على تطلعاته وأحلامه، وحسه النابض، والاسم الجامع لعزيمته وإصراره للبناء والعطاء، قد أثبت للعالم كله، أن الإنسان العربي يستطيع هو أيضاً تسطير قصص الوحدة والنجاح والتقدم والازدهار، على رغم مرارات وإخفاقات تجارب سياسية وتنموية عربية أخرى كثيرة، طيلة القرنين الماضيين. وأن عزائم القادة الأفذاذ قادرة بكل قوة واقتدار على استبعاد المستحيل من قواميس السياسة، وسجلات التاريخ، وقسوة الجغرافيا وشروط المناخ غير المواتية. واليوم، في هذه الذكرى، ذكرى زايد الخير، الرجل الأمة، تفيض المشاعر، وتجيش الخواطر، ويتمادى الحب. وحيثما توجهنا ينفتح مجال للمقال حول إنجازات زايد الخير ومآثره، وسيرته العطرة، طيب الله ثراه. وإن كان الحكم على إنجازات القادة والزعماء يبنى عادة على ما حققوه خلال حياتهم من مشاريع وإنجازات، فإن ما حققه زايد الخير للوطن والأمة، والإنسانية جمعاء، أعظم بكثير، من أن يقاس بمجرد هذه الحسبة البسيطة. فمواقفه وسياساته وإنجازاته أكبر من ذلك وأكثر. فما حققه لشعبه وأمته تقويم سياسي خاص ومتفرد. فقد كان زايد، طيب الله ثراه، هو القائد العربي الوحيد، الذي تمكن بعد فرقة القرون، من بناء تجربة وحدوية عربية راسخة العماد، ثابتة البنيان، ملهمة لجميع العرب من الخليج إلى المحيط. وبعد بناء الدولة الاتحادية انطلق زايد في مشروع بناء الإنسان القادر على مجابهة تحديات التنمية، فأنجز واحدة من أكثر عمليات التحديث والاستثمار في الإنسان جسارة ورُقياً وجرأة، في زمننا المعاصر، لتتكشَّف عما نراه الآن من نجاحات علمية، ومعرفية، ممهورة بأيدي وأقلام أبناء الإمارات من العلماء والخبراء والكوادر عالية التأهيل، الذين هم رأس مال هذا الوطن الحقيقي، ورهانه الأول والأخير، وعدته لليوم، والغد، وبعد غد. ولم يقتصر زايد الخير على الاستثمار في بناء الأجيال الحالية فقط، ولا على استكمال مطالب التنمية الراهنة وحدها، بل لقد استشرف برؤيته الثاقبة ملامح الغد الآتي البعيد، بما قد يطرحه من تحديات تنموية أو تدافُعات اقتصادية أو مخاطر بيئية، فركز في جميع مشاريع التنمية والتحديث على طابع الاستدامة، ووضع بحنكةٍ استراتيجيةٍ ونفاذ بصيرة قيادية لبِنات اقتصاد قادر على احتواء أية تحديات قد يطرحها الآتي من الأيام، تأثراً بتقلبات أسعار المواد الأولية، أو تفاعلا مع أزمات الاقتصاد العالمي الكثيرة. ولذا قرر زايد الخير، منذ أيامه الأولى في حكم إمارة أبوظبي، ثم رئاسة الدولة الاتحادية، أن تكون استجابته في جسامة كافة التحديات، وأكثر. فجعل عملية تسيير الثروة التي أنعم الله بها على هذا الوطن تتم وفق أكثر السياسات رشداً وسداداً وبُعد نظر، فتحولت بذلك من ثروة أولية ريْعية قائمة على مصدر دخل وحيد هو تصدير النفط، لتصبح اقتصاداً بالغ الحيوية، والقدرة على التجدد، وتنويع مصادر الدخل الذاتية، اللامحدودة. وليست بعيدة عن الأذهان الآن وقائع الأزمة المالية العالمية الأخيرة، التي طحنت اقتصادات كبرى، وأغلقت بالشمع الأحمر مقرات مئات البنوك والشركات العملاقة والإمبراطوريات التجارية في مشارق الأرض ومغاربها، وفي كبريات العواصم الصناعية الرأسمالية. والتي مرت توابعها وزوابعها الجارفة، برداً وسلاماً، بحمد الله، على اقتصاد دولتنا الصاعدة، فكانت ضمن أقل دول العالم تأثراً بتداعيات الأزمة، على رغم انخراطها القوي في الاقتصاد العالمي، وتعدد شراكاتها وعلاقاتها الاقتصادية الواسعة. وقد كشف ذلك، عن سداد بصيرته النافذة، وقدرته منذ انطلاق تجربة البناء والتنمية التي أسسها ورسخها على قراءة عناوين المراحل المقبلة، والوقوف ببُعد نظر على شرفة المستقبل. وهنا لابد، للأمانة والتاريخ، من تسجيل ما حققه أحد إنجازاتنا، بل أحد مفاخرنا الاقتصادية، على سبيل المثال لا الحصر. فقد مثَّــل، ويمثل جهاز أبوظبي للاستثمار صمام أمان للإمارات من أية آثار سلبية للأزمات الاقتصادية. كما جعلنا نُعيد اكتشاف بُعد آخر من أبعاد عبقرية مدرسة زايد القيادية هو القدرة على إضفاء طابع الاستدامة على الموارد القابلة أصلا للنفاد. فقد تحولت استثمارات جهاز أبوظبي للاستثمار إلى مصدر دخل دائم وبصافي أرباح مفتوح، في كل الأحوال، قادر على تنويع مصادر الدخل، وتعويض عائدات النفط، إن دعت الضرورة لذلك في المدى البعيد، من الأساس. قد تكون للعبقرية السياسية والاقتصادية صور وأشكال عديدة، ولكن سياسات زايد، وإنجازاته، جمعتها في سيرة قائد واحد. قائد أحب شعبه وأمته بإخلاص نادر. ولذلك قذف الله سبحانه وتعالى حبه في قلب شعبه، وأمته، وفي قلوب عشرات الملايين في مشارق الأرض ومغاربها، وجعل سيرته ومسيرته وذكراه، ذخراً وفخراً للوطن والأمة، يستضاء بهما على طريق التنمية والعزة والنجاح والتمكين والإصلاح. Classifications