لا يزال الغموض يكتنف ما يجري في وادي سوات الباكستاني والمناطق المجاورة له. فمن ناحيتها تقول إسلام أباد إن حالة الحرب الطارئة التي أدت إلى تشريد ما يزيد على مليوني مواطن من بيوتهم وديارهم قد انتهت، وإنه قد ألحقت هزيمة ساحقة بحركة \"طالبان\"، وعليه فقد بدأت الحياة تعود في الوادي إلى طبيعتها. ليس ذلك فحسب، بل أصدرت السلطات أوامر بعودة الملايين من نازحي الحرب بصرف النظر عن رغبتهم في العودة أم لا. كما يتوقع أن تغلق مخيمات نازحي الحرب قريباً جداً. وأياً يكن من أمر القصة الحكومية هذه، فهي لا شك تصور الواقع بما يؤكد تصورها هي لذلك الواقع. أما الحقيقة فهي أن الجيش الباكستاني يخوض حرباً داخلياً لم يحظ بالتدريب اللازم لها. وقدرات جنوده محدودة للغاية فيما يتصل بمواجهة المشكلات الإنسانية، بينما لا يمثل النازحون أولوية بالنسبة لهم في حربهم على حركة \"طالبان\". وبالنظر إلى غموض ما يجري فعلياً في الوادي، فإنه يصعب جداً إصدار أحكام قاطعة أو محددة، عدا عن الحديث العام عن حالة الاضطراب التي تسود المنطقة، واستمرار معاناة المواطنين هناك. والدليل أن السلطات لا تسمح للصحفيين الأجانب إلا بزيارة مدينة مينجورا، كبرى مدن الإقليم، مع العلم أن هذه الزيارات تشترط قيودا مشددة للغاية على تحركات الصحفيين، بسبب خطورة الوضع الأمني في المنطقة. ويرسم عمال الإغاثة وأعضاء اللجنة الباكستانية لحقوق الإنسان صورة أكثر قتامة من تلك التي يرسمها المسؤولون الحكوميون عما يجري في الإقليم، على رغم أن الصورة الأولى ليست سوى لمحة عامة عن حقيقة الأوضاع هناك. ووفقاً لعمال الغوث وناشطي حقوق الإنسان، فإن الحرب لم تنته بعد. ففي يوم الأحد الماضي تمكن مقاتل انتحاري من تفجير نفسه وسط مجموعة من مجندي الشرطة الجدد، ليزهق أرواح 15 منهم يوم. ويسمع المواطنون هدير المدافع يومياً، بينما ظلت الشوارع إما مغلقة أو تصعب حركة المرور فيها. وبين يوم وآخر يتم الكشف عن المزيد من المقابر الجماعية والتعرف على المزيد من الجثث. وفي حين تأكدت هويات بعض القتلى من حركة \"طالبان\"، إلا إن ناشطي حقوق الإنسان يقولون بوجود الكثير من ضحايا العنف والقتل غير القانوني. ووفقاً للقاءات أجراها عمال الغوث الإنساني مع عدد كبير من سكان مينجورا، فإن المشكلة الرئيسية التي يعانون منها هي الجيش الباكستاني. بل يجاهر الكثير من السكان بكراهيتهم للجيش ووصفهم إياه بأنه العقبة الرئيسية أمام تقدم منطقتهم. وقال البعض إن الجيش يتحكم بحياتهم، دون أن يكلف نفسه بمهمة تنظيف المنطقة من مقاتلي \"طالبان\"، وهي مهمته الرئيسية بالطبع. وبسبب هذا الواقع، يسود الذعر بين المواطنين من وجود القوات الرسمية، خاصة وأن الكثيرين ممن نظر إليهم على أنهم موالون لحركة \"طالبان\" قد \"اختفوا\" دون أن يسمع أحد عنهم شيئاً فيما بعد. أما بالنسبة للعائدين إلى الوادي، فالحياة اليومية ليست أقل من صراع وعذاب يوميين. ذلك أن وكالات الغوث الدولي لا تعمل إلا بإذن من الجيش، ما يقلل جداً حجم المساعدات الإنسانية المقدمة لمواطني الإقليم. وعليه تستمر معاناة العائلات والنساء والأطفال، بينما يستمر الاقتصاد الباكستاني في ضعفه واهتزازه، مع ترجيح استمرار حالة الضعف هذه لمدة طويلة. وهناك من المسؤولين الحكوميين من يتهم عمال الغوث الإنساني بتهويل وصف أوضاع المواطنين، طالما أن مجال عملهم وتخصصهم هو تقديم المساعدات الإنسانية للمواطنين في الظروف الطارئة والحرجة. غير أن خبرتي العملية الممتدة لعدة سنوات في تحليل أوضاع المناطق المضطربة في مختلف أنحاء العالم، تدفعني إلى تصديق عمال الغوث والعاملين في المنظمات غير الحكومية، قبل تصديق المسؤولين الحكوميين الذين تدفعهم مصالحهم السياسية إلى تصوير الأوضاع باعتبارهم دليلا على نجاحهم في مواجهتها، وليس على خيبتهم وفشلهم. والحقيقة أن الأوضاع في وادي سوات تثير ثلاث ملاحظات قلما انتبه إليها المراقبون والمحللون. أولاها استمرار الحملة العسكرية الفاعلة التي تشنها القوات الحكومية على حركة \"طالبان\"، وهو ما رحبت به واشنطن كثيراً، وأعلنت دعمها له. ولكن هل يمثل النجاح الذي حققته القوات الحكومية في حملتها هذه، مجرد تكتيكات إيجابية مؤقتة، تخفي وراءها فشلا استراتيجياً في التعامل مع المواطنين وملاحقة عناصر حركة \"طالبان\" في نهاية المطاف؟ فحتى الآن لم تنجح هذه الحملة في قتل أي من قادة الحركة المتمردة. أما الملاحظة الثانية فتتلخص في عدم انتباه إسلام أباد بما يكفي لتزايد أعداد نازحي الحملة العسكرية التي تشنها قواتها. فعلى رغم مساعدات الغوث الإنساني التي قدمتها لها واشنطن بقيمة مقدارها 335 مليون دولار، يلاحظ أن إسلام أباد لم تنفق إلا نزراً يسيراً على النازحين. وإن كانت واشنطن تدرك حجم الأزمة الإنسانية وخطرها، فلماذا نشجع إسلام أباد على إعادة النازحين إلى بيوتهم وديارهم التي فروا منها بسبب النزاع والعنف، مع أن حياتهم لا تزال في خطر، وتصعب مساعدتهم إنسانياً هناك؟ الملاحظة الثالثة والأخيرة، تتعلق بضعف تغطية الإعلام الدولي واهتمام ناشطي حقوق الإنسان بمأساة وادي سوات. ويفسر هذا الضعف جزئياً بعدم قدرة الصحفيين وناشطي حقوق الإنسان على التنقل الحر في المنطقة المنكوبة. وعلى واشنطن أن تعمل من أجل توفر المزيد من الشفافية والمعلومات عن حقيقة ما يجري في الوادي، حتى وإن تطلب منها ذلك اللجوء إلى مصادرها الاستخباراتية الخاصة. وفيما لو توفرت الشفافية المطلوبة، فسوف يكون في وسع المجتمع الدولي تقديم مساعدات إنسانية أكبر أثراً وفعالية لمواطني الوادي المأساوي. ------- مورتون أبراموفتز مساعد سابق لوزير الخارجية في مجال الاستخبارات والبحوث في إدارة ريجان وزميل رئيسي في Century Foundation ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\"