أثار المعارضون موجة عاتية من المزاعم والادعاءات والتشكيك ترمي إلى منع الرئيس أوباما من المضي قدماً في إصلاح نظام الرعاية الصحية. ولكن ليس على الرئيس أن يندهش أو يفاجأ لمثل هذا السلوك. فقبل حوالي ثلاثة أرباع قرن مضى، ثارت موجة مشابهة من التشكيك والمزاعم والانتقادات التي هدفت إلى إجهاض تشريع اتضح لاحقاً أنه أكثر البرامج التي تبنتها الحكومة الأميركية شعبيةً: الضمان الاجتماعي. وعلى الرغم من أن عبارات مثل \\\"لجان الموت\\\"، لم تكن موجودة في قاموس معارضة ذلك الوقت، فإن المنتقدين زعموا أن من شأن برنامج الضمان الاجتماعي أن يشدد قبضة الحكومة على خدمات الرعاية الصحية للمواطنين. على سبيل المثال، ادعى سيناتور \\\"جمهوري\\\" من ولاية نيويورك قائلاً: فسرعان ما نشعر بهراوة الديكتاتور وهي تلهب ظهورنا، بينما يتحول 25 مليون من المواطنين الأميركيين الأحرار إلى عبيد جراء خضوعهم لاختبار البصمات\\\". وفي الاتجاه نفسه، تناغم هذا الرأي مع رأي عضو كونجرس آخر من نيويورك: يفتح مشروع قانون الضمان الاجتماعي الباب على مصراعيه أمام آلة سياسية هائلة واسعة السطوة والنفوذ إلى درجة تهدد مؤسساتنا وتطيح بأركان السقف الذي يظلل رؤوس أبنائنا وبناتنا\\\". وادعى سيناتور \\\"جمهوري\\\" آخر من ولاية دلاوير \\\"أن قانون الضمان الاجتماعي سوف يضع حداً لتقدم أميركا العظمى وينحدر بمستوى مواطنيها إلى مستوى متوسط معيشة الأوروبيين\\\". واليوم يدعي معارضو خيار الضمان الصحي أن هذا المشروع سوف يقصي شركات الضمان الصحي الخاصة من دائرة المنافسة التجارية، بينما يضع حاجزاً بيروقراطياً بين المرضى والأطباء. ويتطابق هذا الرأي تماماً مع ما قاله معارضو تشريع الرعاية الصحية قبل 75 عاماً من \\\"أن سوف ينشئ بيروقراطية جديدة في مجال الضمان الصحي بالنظر إلى منافسته للاستثمارات الخاصة في المجال، وهو ما يؤدي إلى هدم نظام المعاشات الخاصة\\\". كما يلاحظ تلاعب معارضي اليوم مثلما في الأمس البعيد بورقة الاشتراكية. في ذلك الوقت وفي أثناء جلسة استماع للجنة المالية التابعة لمجلس الشيوخ، وجه سيناتور من ولاية أوكلاهوما السؤال متهماً وزير العمل في إدارة فرانكلين روزفلت \\\"فرانسيس بيركنز\\\" قائلاً: أليست هذه هي الاشتراكية؟ وحين أجاب الوزير بالنفي القاطع، انحنى السيناتور قليلاً على الطاولة وكرر سؤاله متهماً: أليس فيما تفعلونه شيء من وصفة اشتراكية؟\\\". غير أن تلك الموجة العاتية من الانتقادات التي استهدفت مشروع قانون الضمان الاجتماعي، لم يتسن لها مطلقاً أن سيطرت على الحوار العام الذي دار حول هذا الشأن في عام 1935. فعلى رغم المعارضة القوية التي لقيها مشروع القانون من كافة أعضاء الكونجرس \\\"الجمهوريين\\\"، تمكن الرئيس روزفلت من منعهم عن السيطرة على الحوار العام أو توجيه دفته. واستطاع روزفلت بحنكته ورؤيته أن يحيد الجمهور العام ويضرب حوله حصانة من تأثيرات ذلك الحوار المسموم، قبل شهور عديدة من موعد التصويت عليه في الكونجرس. حينها كان قد ظهر الرئيس الأسبق روزفلت في سلسلة من البرامج الحوارية التلفزيونية والإذاعية، كان خلالها سباقاً في التكهن بالحجج المعارضة المثارة ضد مشروع قانون الضمان الاجتماعي، وتصدى لتفنيدها ودحضها الواحدة بعد الأخرى، مما ساعد كثيراً على إبطال مفعولها. ومما ورد في تصريحات روزفلت عبر تلك الحوارات واللقاءات: هناك ثلة من الجبناء سوف تسعى للترويج لأسماء وتوصيفات غريبة لما نحاول أن نفعله لخير هذه الأمة وتقدمها. فسوف يطلقون عليها صفة \\\"الفاشية\\\" أحياناً، و\\\"الشيوعية\\\" أحياناً أخرى. وبذلك يرمي هؤلاء إلى تعقيد أمر وإعطائه بعداً نظرياً لا يحتمله؛ لأنه في غاية البساطة والعملية. وفي اعتقادي أن ما نفعله اليوم هو من صميم قيمنا وتقاليدنا الأميركية... هو من لحمة ما قال به جون مارشال قبل عقد مضى.. أن تبقى حكومات بلادنا حكومة حقيقية للشعب. ومن أجل ضمان الحصول على تشريع حكيم جذاب، يحظى بتأييد واسع له، سارع روزفلت إلى تشكيل لجنة من المهنيين القانونيين كلفها بصياغة مسودة القانون، إضافة لتشكيل مجلس استشاري لها مؤلف من ممثلين متعاطفين مع التشريع، ضم عدداً من أصحاب العمل والعاملين وعامة الجمهور. وقد روعي في تشكيل المجلس الاستشاري حفظ التوازن الدقيق بين الأعضاء \\\"الجمهوريين\\\" و\\\"الديمقراطيين\\\"، خاصة أن المجلس قد كلف بإجازة مسودة التشريع وشرحها لعامة الجمهور. وحين عرضت مسودة التشريع أمام الكونجرس في السابع عشر من يناير من عام 1935، أردفه الرئيس بمذكرة تطالب بالإسراع في البت في مسودة التشريع، وكانت تلك خطوة ساعدت على عودة سيطرته على الحوار العام بإلقائه خطاباً تاريخياً عنها. اليوم ربما كان الوقت قد فات كثيراً على أوباما كي يفرض نفسه ويمسك بدفة الحوار العام الدائر حول مشروعه الخاص بإصلاح نظام الرعاية الصحية. ومع ذلك، فلا بد له من تعلم حكمة روزفلت ورؤيته إن أراد لإدارته الحالية النجاح. فعليه أن يخطو خطى روزفلت في مخاطبته المباشرة للجمهور. وعليه أن يفعل قولاً وفعلاً -مثلما فعل روزفلت\\\" بالتأكيد لعامة الجمهور الأميركي أن إدارته تكرس جهودها كلها لخدمة مصالح \\\"الشارع العام\\\" وليس مصالح أسواق ومؤسسات \\\"وول ستريت\\\". وعليه أن يقتدي بسلفه روزفلت في دفاعه الذي لم يلن عن خير أمتنا ورفاهيتها وتقدمها، والتخفيف من وطأة المخاطر والأهوال التي تحدق بها وتتهددها. نانسي جي. ألتمان مؤلفة كتاب \\\"معركة الضمان الاجتماعي: من رؤية فرانكلين دي. روزفلت إلى مغامرة بوش\\\" ينشر بترتيب خاص مع خدمة \\\"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\\\"