الخليج وأحداث إيران
لا تزال الأزمة الإيرانية تحتل المركز الأول في الإعلام العالمي، فالرأي العام العالمي، خصوصاً في الدول الغربية، اتخذ مواقف متشددة في إدانة ما يعتبره قمعاً وعنفاً ضد المظاهرات السلمية في طهران المطالبة بالحرية والديمقراطية ومعرفة الحقيقة حول ما جرى في انتخابات الرئاسة الإيرانية.
هناك مواقف متباينة في الغرب حول ما يحدث في إيران؛ ففي الولايات المتحدة هاجم الحزب الجمهوري سياسة الرئيس أوباما وطالبوا باتخاذ سياسات قوية تدعم الإرادة الشعبية في طهران، بينما ترى الإدارة الأميركية ضرورة التريث وعدم إعلان موقف معادٍ لإيران... فالرئيس الأميركي طالب الحكومة الإيرانية باحترام إرادة الشعب وعدم استعمال القوة والعنف ضد المتظاهرين المسالمين. وقد فسرت هذه السياسة الأميركية الجديدة بأنها تعني ترك الخيار للشعب الإيراني كي يقرر مصيره، وهي سياسة عقلانية رشيدة وحذرة، حتى لا يقول أحد إن أميركا، أو "الشيطان الأكبر"، تقف مع طرف ضد طرف آخر، خصوصاً وأن هناك خلافات داخل إيران حول موقف أميركا والغرب. فالقيادة الإيرانية تتهم الغرب وعلى رأسه بريطانيا بدعم وتأييد المعارضة واحتجاجاتها ضد الانتخابات.
والإشكالية هنا تكمن في حقيقة أن الولايات المتحدة والغرب إذا تدخلوا فسوف يضعفون المعارضة، وتقوى صورة الرئيس نجاد أمام الرأي العام الإيراني، وإذا لم يتدخل الغرب يتهم أنصار الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان الغربي بالتقاعس وعدم دعم أنصار الحرية في طهران. هذا الموقف الغربي الحذر جعل الكثير من دول العالم تتخذ مواقف متباينة من الصراع داخل إيران.
لكن ماذا عن دول الخليج العربية؟ ما هو موقفها الرسمي أو الشعبي مما يحدث في إيران من صراع؟
دول الخليج العربية قلقة ولا تعرف كيف تتصرف تجاه الأحداث المتسارعة في طهران... رسمياً بعض دول الخليج أعلنت أن ما يحدث في إيران هو شأن محلي ولا يجوز لأحد التدخل في الشأن الإيراني... فهذه الدول عانت كثيراً من حكم نجاد خلال ولايته الأولى، ففي عهده اتخذت إيران مواقف متشددة تجاه الغرب كما عملت على دعم الحركات الثورية والأحزاب الشعبية في كل من العراق ولبنان ودول الخليج. كما دعمت إيران حركة "حماس" في غزة... هذه السياسة أقلقت دول الخليج وحذرت إيران من مغبة التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار.
وبسبب أحداث إيران برزت في الخليج بعض التيارات المؤيدة للنظام وبعضها معادٍ له ويؤيد انتفاضة المعارضة... ففي دولة خليجية تم إغلاق إحدى الصحف لأن أحد النواب انتقد نظام الملالي في إيران، كما أصدرت حكومات خليجية بيانات رسمية تطالب فيها الجميع بعدم التدخل في الشأن الإيراني والالتزام بالهدوء.
الرأي العام الخليجي منشق حول الأحداث في إيران؛ بعض المتطرفين من الشيعة يؤيدون حكومة نجاد، وقد طالبوا عبر الصحافة بعدم تدخل الدول الغربية في الشأن الإيراني، أما معارضوهم من الكتّاب فيرون أن ما يحدث في طهران هو بداية النهاية لنظام الملالي ونهاية النفوذ الإيراني في المنطقة خصوصاً نفوذها في العراق وغزة ولبنان ودول الخليج...
لكن مثل تلك التوقعات غير منطقية. صحيح أن إيران الثورة تدعم الحركات الشيعية في المنطقة، لكن عملياً وواقعياً هذه الحركات برزت في منطقتنا بسبب إهمالنا لوضع الأقليات في بلداننا.
لقد أطلق لاريجاني، رئيس مجلس الشورى الإيراني، تهديداً للدول الغربية متهماً إياها بالتورط في أحداث بلاده الأخيرة، قائلا: "كفوا عن نظامنا وإلا فإن إيران سترد عليكم في ساحات أخرى". لا نعرف ماذا يقصد بعبارة "ساحات أخرى"! هل كان يقصد إشعال الفتنة في لبنان أو غزة أو ربما الساحة العراقية حيث تتواجد قوات أميركية وبريطانية، أم أنه كان يقصد دول الخليج العربية حيث توجد قواعد غربية منتشرة في المنطقة.
وأخيراً نرى بأن إيران سوف تشهد متغيرات كثيرة في الداخل، ومطلوب من دول الخليج رصدها ودراستها بهدوء وعقلانية، لأنها حتماً ستؤثر علينا سواء بالسلب أو بالإيجاب.
د. شملان يوسف العيسى