بعد الورطة التي واجهتها الولايات المتحدة في فيتنام، فإنه كان في إمكانها أن تلملم أغراضها وتنسحب بأقل حد ممكن من التداعيات على مصالحها القومية الحقيقية. وقد حدث شيء مماثل بالنسبة لبريطانيا في شبه القارة الهندية، وبالنسبة لفرنسا في الجزائر. ولكن الغرب، والعالم المتحضر بأسره لا يمتلك الآن مثل هذه الرفاهية في أفغانستان والعراق. ذلك أنه إذا ما سُمح لـ"طالبان"، و"القاعدة" بتحقيق النصر في المنطقة، فإن نفوذ تحالفهما المزعزع للاستقرار سوف ينتشر عبر القارات. والديمقراطية القائمة في باكستان اليوم يجب أن تنجح. ويجب القضاء على قوى التطرف في باكستان، كما يجب أن نعرف أن الفشل ليس خيارا متاحا لا لنا ولا العالم. لكن، كيف يمكن لنا أن نضمن أن قوى الحرية ستهزم قوى التعصب في خاتمة المطاف؟ يجب أن نعرف أولا أن المشكلة التي أطلقت العنان للتطرف هي مشكلة متعددة الأوجه، وأن حلولها متعددة الأبعاد بالضرورة. ويجب علينا كذلك النجاح ليس عسكرياً فحسب، ولكن سياسياً أيضاً، واقتصادياً، واجتماعياً. لقد كان الغرب، وعلى وجه الخصوص، راغباً تماماً في الرقص مع الطغاة من أجل تحقيق أهداف متخيلة قصيرة الأمد. دعوني أركز في هذا المقام على باكستان، حيث وقف الغرب يتفرج عندما أطاحت الديكتاتورية العسكرية بحكومة هذا البلد المنتخبة ديمقراطيا في نهايات عقد السبعينيات من القرن الماضي. فبسبب الغزو السوفييتي لأفغانستان، استخدم الغرب بلدي كأداة في الحرب الباردة، وعمل في ذلك الوقت على تقوية ديكتاتورية الجنرال "ضياء الحق" التي استبدت بالشعب، وفتكت بالأحزاب السياسية، واغتالت رئيس الوزراء، الذي أسس أكبر الأحزاب السياسية، وكمم أفواه الصحافة، والمجتمع المدني. ولكن ما حدث بمجرد هزيمة السوفييت، هو أن الأميركيين استقلوا أول حافلة وغادروا المدينة، تاركين وراءهم فراغاً سياسياً قاد في النهاية إلى"طلبنة" أفغانستان وتنامي التطرف فيها، وظهور "القاعدة"، والتمرد المسلح الموجود حاليا في أفغانستان. ومما يشار إليه في هذا السياق، أن مافيا الهيرويين التي برزت كنتيجة مباشرة للجهود التي كانت تبذل للقضاء على الوجود السوفييتي، تكسب الآن من عملياتها ما لا يقل عن 5 مليارات دولار، أي ما يعادل ضعف ميزانية الجيش والشرطة في باكستان، وهو ثمن لا زالت باكستان تدفعه حتى اليوم. في رأيي إن الرقص مع الطغاة لا يحقق شيئاً، وأن الديمقراطية مهما كانت درجة سوئها أفضل من أي ديكتاتورية. فالديكتاتوريات تقود إلى الإحباط، والتطرف، والإرهاب. مع ذلك فإن الماضي هو الماضي، ونحن لا نستطيع إعادة عقارب الزمن للوراء، لكننا نستطيع مع ذلك أن نعالج تداعيات الأخطاء الماضية، ونتأكد من عدم تكرارها. وهدفي المباشر هو أن يهرع العالم المتحضر للاحتشاد من أجل دعم الديمقراطية الباكستانية وكفاح الشعب الباكستاني ضد التطرف. فنحن نتخندق في المعركة ضد الإرهاب، ليس دفاعاً عن أنفسنا فحسب، ولكن دفاعاً عن العالم. لقد فقدنا المزيد من الجنود ـ 1200 جندي على وجه التقريب ـ في القتال ضد "طالبان" في باكستان، وهو عدد يفوق ما فقدته جميع الدول المشاركة في قوات "الناتو"، التي تحارب"طالبان" في أفغانستان. ولم يقتصر الأمر على العسكريين حيث لقي الآلاف من المدنيين الأبرياء أيضا حتفهم جراء هجمات مثل تفجير فندق"بيرل كونتيننتال" في بيشاور. وعلى المستوى الشخصي جداً، فقدت زوجتي الراحلة "بينظير بوتو"، أم أولادي، وقائدة باكستان العظيمة، والتي ظلت تنبه العالم في خطبها الأخيرة، وكتاباتها، وكتابها الأخير، وآخر كلمات نطقت بها أن التطرف تهديد للشعب الباكستاني بأسره، وأن الديكتاتورية قد قادت لانتشاره داخل باكستان، وأن على الأمة أن تفيق، وعلى العالم أن يتنبه. لقد دفعت زوجتي حياتها نفسها ثمن بصيرتها، وشجاعتها وعلى واجب ينبغي أن أؤديه للأجيال المقبلة من الباكستانيين ولأولادي وهو إثبات أن حياتها لم تذهب هدراً. إننا بحاجة إلى مساعدة مباشرة، ويسرني في هذا السياق القول إن إدارة أوباما تدرك الآن بأن باكستان القوية اقتصادياً، هي فقط القادرة على احتواء التهديد الإرهابي. لقد خصصت الولايات المتحدة ما قيمته 1.5 مليار دولار في العام، لمدة خمسة أعوام، للمساعدة على تحقيق الاستقرار في الاقتصاد الباكستاني، كما أن مجلس النواب، ولجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي تصرفا بحسم من أجل إعادة توجيه مسار العلاقات الباكستانية - الأميركية بحيث لا تسعى فقط نحو تحقيق تحالف عسكري، وإنما أيضا إلى شراكة اقتصادية مستدامة. ويجب على العالم الآن أن يضاعف جهوده كي يضاهي الجهد الأميركي. وما يهمني توضيحه هنا هو أن باكستان بحاجة إلى مساعدة قوية، كي تتمكن من تحقيق المطلوب منها تجاه الشعب وهزيمة المسلحين. كما يجب على العالم أن يحذو حذو الولايات المتحدة، وأن يقدم يد العون لنا للتعامل مع ملايين الأشخاص النازحين داخلياً، وهؤلاء يعتبرون آخر من طالت يد الإرهاب في أمتنا. بيد أن ذلك كله ليس كافيا. ففي المدى الطويل، ستحتاج باكستان أيضاً إلى التجارة التي ستمكنها من أن تصبح مستقلة اقتصادياً. فباكستان القوية اقتصادياً، هي وحدها القادرة على احتواء خطر المتطرفين والقادرة على أن تثبت للمليار ونصف المليار مسلم في مختلف أنحاء العالم أن الديمقراطية، والتنمية الاقتصادية يمضيا جنباً إلى جنب، ويداً بيد. لقد جابت زوجتي الراحلة العالم كي تبشر بالديمقراطية. وعلى الرغم من أن العديد من الحكومات الأوروبية قد أوصدت أبوابها أمامها، فأن ذلك لم يثنها عن مواصلة المسير، حيث ظلت تسعى بلا كلل من أجل الديمقراطية، وحافظت دوما على تفاؤلها بشأن نجاحها النهائي، ولا يزال العالم يتذكر كلماتها الشهيرة" إن الحقيقة والعدالة وقوى التاريخ تقف إلى جانبنا". وسوف نرى اليوم ما إذا كانت أميركا وأوروبا سوف يقفان هما أيضا إلى جانبنا. آصف علي زرداري رئيس جمهورية باكستان ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"