كان الصمت أول رد فعل للرئيس أوباما على الاحتجاجات الحالية في إيران، تلاه موقف حذر ومحايد تقريباً يروم تجنب "التدخل" في الشؤون الإيرانية. وهو ما يذكّرني بردة فعل ريجان الأولى المحايدة على الأزمة التي أعقبت انتخابات الفلبين عام 1986، وبردة فعل بوش الأب المحايدة في البداية على محاولة الإطاحة بجورباتشوف عام 1991. غير أن ريجان وبوش استطاعا كلاهما لاحقاً التخلي عن حيادهما الخاطئ وإحداث الفرق؛ والواقع أنه لم يفت الأوان كي يقوم أوباما بالشيء نفسه. في عام 1986، كان الرئيس الفلبيني فيرديناند ماركوس قد دعا إلى انتخابات مبكرة، معتقداً أن من شأن انقسام المعارضة أن يتيح له فوزاً واضحاً يقلل الضغوط التي كانت تمارسها عليه إدارة ريجان من أجل تبني إصلاحات واسعة. غير أنه بدلا من ذلك، توحدت أحزاب المعارضة والتفت حول كوراسون أكينو؛ ولم يكن ممكنا "انتصار" ماركوس إلا من خلال عمليات تزوير واسعة. وفي الحادي عشر من فبراير، وبينما كان فرز الأصوات متواصلا، أعلن ريجان عن موقف محايد حيث ذكّر الأميركيين بأن الأمر يتعلق بـ"انتخابات فلبينية"، مشيداً بـ"الحماس الكبير الذي أظهره الفلبينيون للعملية الديمقراطية". وبدلا من أن يحمّل ماركوس مسؤولية التزوير، والتي وصفها بـ"المزعجة"، قال ريجان إن التلاعب بالأصوات جرى "على الجانبين". وحينها كنت أعملُ مع وزير الخارجية "شولتز" كمساعد لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادي، وكنت أشاطره استياءه من تعليق الرئيس. ذلك أنه خلال عامين، وبدعم من الرئيس نفسه، كنا نضغط على ماركوس لتبني الإصلاحات. بل إن ريجان نفسه أشار ذات مرة إلى المقولة المشهورة للورد آكتون (مؤرخ إنجليزي): "إن السلطة تؤدي إلى الفساد، والسلطة المطلقة تؤدي إلى الفساد المطلق"، حين تحدث عن ماركوس. غير أن تعليق ريجان المؤسف عن التلاعب الذي حدث "على الجانبين"، كان يهدد بوضع الولايات المتحدة على الجانب الخطأ في لحظة مفصلية. لكن لحسن الحظ، تمكن شولتز من إقناع الرئيس بأنه ارتكب خطأ فادحاً. وفي 15 فبراير، أصدر البيت الأبيض بيانًا جاء فيه: "إن الانتخابات عرفت عمليات واسعة للتزوير والعنف، كان الحزب الحاكم مسؤولا عن معظمها". وفي اليوم التالي، أعلن كل من ماركوس وأكينو فوزهما في الانتخابات. وفي 22 فبراير، حين أمر ماركوس باعتقال زعيمين إصلاحيين بارزين، خرج ما لا يقل عن مليون فلبيني إلى ساحة "إيدسا" في مانيلا، مطالبين بوقف الاعتقالات. وبعد يومين، نُقلت رسالة ريجان النهائية إلى ماركوس، حين حذر الصديق الحميم للرئيس، السيناتور بول لاكزالت، من أن ريجان يعارض أي استعمال للقوة ضد الحشود. وفي اليوم التالي، غادر ماركوس الفلبين. وكوكيل لوزارة الدفاع في إدارة بوش الأب، كنت شاهداً على تكرار السيناريو الفلبيني في 19 أغسطس 1991، حين قامت القوى الرجعية بمحاولة انقلابية ضد الرئيس السوفييتي جورباتشوف والرئيس الروسي يلتسن. في البداية كان بوش حذراً جداً وغير متأكد بشأن الحقائق ومتردداً في التدخل أو استعداء خلف ممكن لجورباتشوف. وفي رد فعله المبكر ذلك الصباح، رفض الرئيس التنديد بالانقلاب واكتفى بوصفه بـ"التطور المثير للقلق". كما عبر عن دعم فاتر لجورباتشوف ودعم أقل ليلتسن؛ ولم يكن أي منهما بين زعماء العالم الذين حاول الاتصال بهم بشأن الأزمة. وبدا أنه يركز على العمل مع الفريق السوفييتي الجديد، على أمل أن يكون زعيمهم، جينادي ياناييف، ملتزماً بـ"الإصلاح". ورغم أن وزير الدفاع تشيني كان يجادل دائماً بأهمية أن تدعم الولايات المتحدة التطلعات السلمية للروس والأوكرانيين والشعوب السوفييتية الأخرى، لكن يلتسن هو الذي أقنع بوش- في رسالة شخصية قوية- بالتخلي عن موقفه الغامض ومعارضة الانقلاب. وبحلول مساء ذلك اليوم، كان البيت الأبيض قد غيّر موقفه، حيث ندد بمحاولة الانقلاب ووصفها بـ"غير الشرعية وغير الحكيمة"، ثم اتصل بوش بيلتسن ليؤكد له على دعمه. صحيح أن الوضعين ليسا متشابهين؛ غير أن الإصلاح الذي ينشده المتظاهرون الإيرانيون هو شيء يستحق دعمنا. وفي مثل هذا الوضع، سيكون من السخرية أن تقوم الولايات المتحدة بترجيح كفة القادة الذين يفرضون إرادتهم على الشعب الذي يكافح من أجل الحرية. ثم إنه إذا كنا نتوق أشد التوق إلى المفاوضات إلى درجة أن نتخلى عن الأشخاص الذين يدعمون مبادئنا، فإننا بذلك نضعف موقفنا التفاوضي. غير أن ذلك لا يعني أن نختار الاصطفاف مع تيار معين من الانتخابات الإيرانية أو الزعم بمعرفة نتائجها، ولكن يستطيع أوباما أن يبعث برسالة قوية فقط عبر وضع وزنه الشخصي الكبير وراء التصرف السلمي للمتظاهرين ومطالباتهم بالإصلاح والتغيير الديمقراطي والسلمي ذاته الذي أشاد به في خطابه من القاهرة. وعلى غرار بقية العالم، لابد أن الرئيس أوباما قد فوجئ بحجم المظاهرات في إيران؛ غير أن الإيرانيين لا يحتجون على الانتخابات فحسب، وإنما أيضاً على الانتهاكات المتزايدة لحق الشعب الإيراني من قبل نظام ديكتاتوري. والآن ليس وقتاً للوقوف موقفاً محايداً، بل إنه وقت لتغيير النهج. بول وولفويتز أستاذ زائر بمعهد "أميركان إنتربرايز"، ونائب وزير الدفاع الأميركي بين عامي 2001 و2005 ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"