عقدت الأسبوع الماضي ندوة عن العلاقات الخليجية- الأوروبية في جامعة لوند بالسويد، وهي ندوة أتت كجزء من محاولة السويد التعرف إلى وجهات نظر دول المجلس بمناسبة توليها الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي مطلع شهر يونيو الحالي، وقد شارك في الندوة عدد من الأساتذة الأكاديميين الخليجيين ونظرائهم الأوروبيين، كما شارك فيها بعض من الدبلوماسيين ورجال الأعمال والمسؤولين في الاتحاد الأوروبي وفي دول المجلس. وتأتي هذه الندوة بعد عدة أشهر من تجميد المفاوضات الثنائية بين الطرفين حول إقامة منطقة تجارة حرة بينهما، وذلك بطلب من دول مجلس التعاون في شهر ديسمبر الماضي، حيث شعرت دول المجلس بأن مفاوضاتها المطوّلة مع دول الاتحاد لم تأتِ أُكلها، وهناك عدد من النقاط العالقة بين الطرفين في موضوع الرسوم على الصادرات الخليجية في دول المجلس نفسها، حيث تشعر دول المجلس بأن هذا الموضوع مطروح على منظمة التجارة الدولية في مفاوضات مطوّلة، كما أن هناك مواضيع سياسية أخرى توصل الجانبان فيهما إلى صياغة مشتركة مقبولة. وفي اجتماع مسقط أواخر شهر أبريل الماضي، اتفق الجانبان الخليجي والأوروبي على مواصلة المباحثات الثنائية بشكل غير رسمي، والاستفادة بشكل مباشر مما تتيحه اتفاقية عام 1988 بينهما لتطوير التعاون في مختلف المجالات العلمية والثقافية والتقنية. وكان التركيز الأعظم لمعظم الأوراق المقدمة منصباً على موضوعين رئيسيين، أولهما أمن الخليج، وثانيهما مسألة التعليم وتطويره في منطقة الخليج العربي. ففي موضوع أمن الخليج، تطرقت معظم الأوراق إلى موضوع التفاهمات المحتملة بين الولايات المتحدة وإيران، ورأى معظم المشاركين أن مثل هذه التفاهمات قد تسمح لإيران بتشغيل مفاعل "بوشهر"، ولكن لن تسمح لها بتشغيل اثنتين وعشرين محطة محتملة للطاقة النووية، وبالتالي فإن هناك حدوداً معينة لمثل هذه التفاهمات. كما ركزت ورقة أخرى على أن أي حوار بين إيران وكل من الولايات المتحدة وأوروبا ودول الخليج العربية، ينبغي أن يكون في مسار واحد متكامل، وبالتنسيق بين هذه الأطراف الثلاثة، على رغم صعوبة ذلك، حيث إن أي سباق أوروبي أو خليجي لتقديم عروض مستقلة لطهران سينظر إليه في الجانب الآخر على أنه محاولة للتقرّب منها، بل قد ينظر إليه في طهران كنوع من الضعف، وهو ما سيقوّي مركزها التفاوضي، فالمسارات ينبغي ألا تكون مسارات متوازية، بل ينبغي أن تكون مساراً متكاملاً قدر الإمكان. وطُرحت بعض التساؤلات حول احتمالات أن تنحو إيران منحى يشبه ما فعلته كوريا الشمالية قبل أسبوعين، حين أعلنت تفجيرها لرأس نووي، وتبعته بإطلاق بعض الصواريخ العابرة للقارات، وكان هناك رأي يرى عدم إمكانية ذلك بالنسبة لإيران، على الأقل في الوقت الحاضر، حيث إن إيران، بعكس كوريا الشمالية، تعتمد اعتماداً كبيراً على التجارة الدولية، ولا يمكن أن تتجاهل أية مواقف أو قرارات اقتصادية أو عقوبات قد يفرضها عليها مجلس الأمن، إضافة إلى العقوبات الحالية. وطرحت بعض الآراء الخاصة بمستقبل العلاقات العراقية- الخليجية، وموضوع الأمن والاستقرار في اليمن الذي يعتبر مسألة حيوية لدول الخليج، وكذلك للدول الأوروبية، وكان هناك نقاش حول أفضل الوسائل والآليات الممكن اتباعها في مسألة مساعدة اليمن لتجاوز أزمته الاقتصادية، وموضوع التنسيق المطلوب بين دول المجلس ودول الاتحاد الأوروبي، فهناك خبرة طويلة بين صناديق التنمية الوطنية في دول المجلس وصناديق التنمية الأوروبية في تمويل المشاريع في البلدان الفقيرة. ولا شك في أن اليمن يعتبر واحداً من أهم البلدان التي تحتاج إلى دعم المشروعات الصغيرة الخاصة بالصحة والتعليم والتغذية وغيرها من الخدمات التي يحتاجها الفرد في هذا البلد. وناقشت أوراق أخرى موضوع التعليم، خاصة التعليم العالي منه ودرس بعض من هذه الأوراق وضع الجامعات الخاصة التي بدأت تنتشر في بعض دول المجلس، وكيف أن معظمها تجاري بحت، حتى إذا لم يتوافر لها العدد الكافي من الطلاب في عامها الأول، فإنها سرعان ما تغلق أبوابها، كما تساءلت هذه الأوراق عن مستوى التعليم في بعض هذه الجامعات، مقارنة مع مستوى التعليم في جامعاتها الأم. وتحدثت أوراق أخرى عن العدد الهائل من الطلاب الذين يتخرجون في المدارس الثانوية كل عام، ويذهب بعضهم إلى الجامعات الأميركية والبريطانية، وبعض الجامعات الأوروبية، وقد ساهمت البعثات المقدمة للطلاب، مثل برنامج خادم الحرمين الشريفين، في تمكين الآلاف من الطلاب من الدراسة في الجامعات الأجنبية. وبحكم معرفة هؤلاء الطلاب للغة الإنجليزية، فإنهم يفدون إلى الجامعات البريطانية، حيث يدرس في بريطانيا، في الوقت الحاضر، حوالي 34 ألف طالب وطالبة من دول المجلس، وتمثل نسبة السعوديين منهم حوالي 88 في المئة من الطلاب السعوديين في أوروبا، ويبلغ الطلاب السعوديون الذين يدرسون في السويد، على سبيل المثال، حوالي 62 طالباً فقط، على رغم أن الجامعات السويدية تعتبر من أعرق الجامعات الأوروبية، كما أن تكلفة الدراسة فيها شبه مجانية. وقد رحّب المشاركون من المسؤولين الأوروبيين بزيادة عدد الطلاب الخليجيين الذين يدرسون في جامعاتهم، وذكروا أن الجامعات الخليجية، بدءاً من العام القادم ستكون جزءاً من برامج جامعية تسمح بتبادل الطلاب مثل برنامج "أراسموس منديس"، وبرنامج "جون مونيه" للتعاون بين الأكاديميين والباحثين، وكل منهما برنامج مدعوم من الاتحاد الأوروبي. هذا في حين اهتمت بعض الأوراق المقدمة الأخرى بموضوع تمكين المرأة في دول المجلس، وضرورة مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في التعاون الثنائي، وعدم اقتصاره على القنوات الرسمية. وربما تلزم الإشارة إلى أن موضوع التعاون في التعليم لا ينبغي أن يقتصر على الجامعات والتعليم العالي، على أهميتها، بل يجب أن يشمل كذلك موضوع التعاون في التعليم ما قبل الابتدائي، حيث تملك بلدان مثل السويد تجربة فريدة في مجال التدريس في رياض الأطفال. كما أن فتح مجالات واسعة في التعاون الثنائي بين دول المجلس ودول الاتحاد الأوروبي في جوانب أخرى تقنية متقدمة، مثل الأبحاث الخاصة بالطاقة الشمسية يعتبر أمراً مهماً هو الآخر، حيث تعتبر ألمانيا من البلدان الرائدة في هذا المجال، وسيفتح ذلك الباب أمام صناعات جديدة في دول المجلس. ولا شك في أن تجربتي العُيينة بالقرب من الرياض، وتجربة مدينة الطاقة البديلة في أبوظبي، تمثلان نموذجين ناجحين ينبغي تطويرهما وتعميمهما للاستفادة منهما في مجال إنتاج الكهرباء ومجال تحلية المياه.