بعد ثلاثة أشهر من القرارات الصائبة التي اتخذها أوباما في مجال الأمن القومي والنجاحات التي حققها في الفترة الأخيرة، يبدو أن الرئيس ارتكب أول خطأ له منذ دخوله إلى البيت الأبيض، وهو المتعلق بموازنة الدفاع، وذلك بعدما جاءت خططه دون المستوى الذي كانت تنتظره مؤسسة الدفاع والأمن القومي خلال السنوات الخمس القادمة للاضطلاع بدورها والنهوض بالأعباء الثقيلة الملقاة على عاتقها. ولحسن الحظ يمكن تدارك الخطأ قبل وقوع الضرر سواء من قبل الكونجرس خلال السنة الجارية، أو من قبل الإدارة نفسها في السنة المقبلة، والحقيقة أن الأمر لا يتعلق بإقدام إدارة أوباما على خفض قيمة موازنة الدفاع، بل فقط بتبني سياسة النمو الصفري "لقاعدة الموازنة"، دون احتساب تكاليف الحرب باعتبار أنه يصعب التنبؤ بها. ومع أن الموازنة سترتفع عملياً بنسبة 2 في المئة خلال الأعوام الخمسة القادمة، فإنه بعد احتساب معدل التضخم الذي من التوقع أن يصل إلى 1.5 في المئة، فإن النمو الحقيقي للموازنة سيكون صفراً، وهو ما سيترك نقصاً في موازنة الدفاع يبلغ 150 مليار دولار بحلول عام 2014. وإذا كان من حق الإدارة الحالية الزيادة في موارد وزارة الخارجية وبرامج المساعدات الدولية لما باتت تلعبه تلك البرامج من دور في تحسين صورة أميركا في العام وتعزيز سياساتها، إلا أنه من غير الحكيم أن تتنافس وزارتا الخارجية والدفاع على استدرار الأموال الحكومية كما يبدو عليه الحال اليوم. والحال أنه لكي تتمكن وزارة الدفاع من الوقوف على قدميها لا بد لها من التعامل مع معدل التضخم وأخذه بعين الاعتبار عند وضع الموازنة، وهو ما يحتم عليها تسجيل ارتفاع سنوي لا يقل عن 2 في المئة لتنمو الموازنة بحوالي عشرة مليارات دولار كل سنة. وبعبارة أخرى لا مناص من الحفاظ على هذه النسبة من الزيادة السنوية في موازنة الدفاع لإبقاء الموارد البشرية الضرورية وضمان تمتعهم بالمكاسب اللازمة مثل التغطية الصحية وإجراء الصيانة الدورية للمعدات والآليات، والاستمرار في برامج التدريب، فضلا عن شراء الأجهزة المتطورة ومواصلة النمو بما يفوق معدلات التضخم المتصاعدة. ولو نظرنا إلى المحاور الأربعة التي تصرف فيها موازنة الدفاع لربما ساعدنا ذلك على فهم الحاجيات الحقيقية للأمن القومي، التي تستدعي الاهتمام وضخ الأموال، وهي المحاور التي تتوزع على موظفي الجيش، والعمليات والصيانة، والتموين، ثم البحث والتطوير. وفيما يخص المحور الأول المرتبط بموظفي الجيش وقواه البشرية فقد سبق أن جربنا في السبعينيات مسألة التقشف والتشدد في الإنفاق، فكانت النتيجة التذمر العام وقوة بشرية ضعيفة ينقصها التحفيز والرغبة في العمل، ولعل الأمر اليوم أكثر إلحاحاً لمواصلة الاهتمام بالعنصر البشري داخل المؤسسة العسكرية بسبب الحروب الجارية حالياً والمهام الموكلة إلى الجنود بحيث يُطلب من القليل القيام بالكثير ولفترة طويلة. وعلى مدى سنوات بوش الرئاسية ارتفعت نسبة الإنفاق على العنصر البشري بحوالي 100 في المئة، لكن 25 في المئة من ذلك الارتفاع يرجع إلى تراكمات قديمة ناتجة عن التضخم، فيما الربع الآخر ذهب إلى جهود تعبئة قوة الاحتياط وتوسيع صفوف الجيش ليوجه ما تبقى من الزيادة إلى التكاليف الحقيقية التي ارتفعت بحوالي 5 في المئة سنوياً. وأثناء وضع الموازنة ومناقشة مخصصات الدفاع ينصب أغلب الضغط على محور العمليات والصيانة التي يسعى الجميع إلى خفضها، وهو أيضاً المجال الذي يعتقد الجميع أنه الأفضل لادخار بعض المال، هذا على الأقل ما جرى خلال التسعينيات عندما راودت كلينتون فكرة الادخار وتقليص النفقات بالاعتماد على وسائل أكثر فاعلية، لكن ما حدث أنه في نهاية كل سنة كان يؤجل العجز إلى سنوات قادمة، وبدلا من الادخار كانت فقط تُرحل الحاجيات إلى المستقبل. أما العنصران الآخران اللذان يشكلان موازنة الدفاع وهما التموين والبحث والتطوير فقد حظيا باهتمام وزير الدفاع الحالي "روبت جيتس" ليس لجهة الرفع في مقدراتهما، بل باعتبارهما الحل لمزيد من الادخار، فقد اقترح تقليص الإنفاق على العديد من البرامج العسكرية المعقدة والباهظة التكلفة مثل مقاتلات F-22 و DDG-1000، فضلا عن العديد من الأنظمة الدفاعية الأخرى. لكن لا بد من الإشارة هنا أن اللجوء إلى شطب بعض البرامج الدفاعية لا يعني أنها تقلل من نفقات الموازنة الحالية، يل يطال الشطب فقط الخطط المستقبلية والبرامج المتوسطة إلى بعيدة المدى، وحتى في حال إلغائها يتم الاستعاضة ببدائل أخرى يتم شراؤها ما يفرغ مساعي الادخار من مضمونها، بالإضافة إلى الحاجة الملحة لاستبدال المعدات القديمة التي اشتريت في عهد الرئيسين ريجان وبوش الأب بأخرى حديثة وأكثر تطوراً. وبالنظر إلى كل ما تقدم، وضع مكتب الموازنة التابع للكونجرس تقديراته الخاصة حول موازنة الدفاع تقول إنه لتلبية احتياجات الأمن القومي لا بد من ارتفاعها بنسبة 10في المئة على مدى السنوات العشر القادمة، وهو ما يعني أن النسبة السنوية لنمو موازنة الدفاع عليها أن تبقى في حدود 2 في المئة خارج نسبة التضخم المرتفعة، وذلك خلافاً لاقتراح أوباما الذي يضع نسبة النمو في حدود الصفر، وفي حال تطبيق الاقتراح سيصل العجز في هذه الميزانية بحلول 2014 إلى 50 مليار دولار سنويا وقرابة 150 مليار على مدى السنوات الخمس المقبلة، وهو ما يحتم تغيير الخطة ليبقى السؤال هل سنقوم بذلك الآن، أم بعد فترة؟ -------- مايكل أوهالون باحث بارز في مؤسسة "بروكينجز" الأميركية ومحلل سابق بمكتب الموازنة التابع للكونجرس. -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"