لعل أجمل الصداقات هي تلك التي تعرف كيف تتغير وتتأقلم مع رهانات الحاضر وتستعد لتحديات المستقبل. ولأننا نشترك في هذه القناعة مع صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، فقد قررنا، غداة انتخابي رئيساً للجمهورية، فتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين وإعطاء بعدٍ جديد، يكون أكثر طموحاً، للشراكة الاستراتيجية التي تربط بين بلدينا منذ عام 1997. لذا اتخذنا، في شهر يناير 2008 أثناء زيارتي للإمارات العربية المتحدة، القرار التاريخي القاضي بإنشاء قاعدة عسكرية فرنسية في أبوظبي وذلك بناءً على طلب من السلطات الإماراتية. وها أنا اليوم أعود بكثير من السعادة والمشاعر الجياشة لافتتاح هذه القاعدة التي تشكل علامة تاريخية في علاقات الصداقة بين بلدينا وشعبينا. منذ 15 عاماً تقريباً ونحن شريكان استراتيجيان مرتبطان باتفاقية دفاع كنا قد أبرمناها عام 1995. مع هذا التمركز الدائم، يتخذ التزامنا بالوقوف إلى جانبكم معنى أكثر قوة. وهذه القاعدة دليل على أن بلدنا مستعد للانخراط كلياً معكم في تحقيق أمن المنطقة. إنها دليل على أن فرنسا مستعدة لتحمل كل المخاطر من أجل أصدقائها. ورسالتنا واضحة: سنقف إلى جانبكم في جميع الظروف، بما في ذلك الصعبة منها. وكما يقال يُعرف الأصدقاء عند الشدائد. اعلموا أنه في وسعكم دائماً الاعتماد علينا إذا ما حدث وتعرض أمن المنطقة للتهديد. يبيّن بلدنا أيضاً من خلال هذه القاعدة الفرنسية الأولى في الشرق الأوسط، أننا ملتزمون بشكل كامل من أجل أمن واستقرار هذه المنطقة الأساسية للتوازن العالمي. إن لفرنسا العديد من الحلفاء في المنطقة، وبالتالي سيتيح لنا وجودنا في أبوظبي تعزيز شراكاتنا الاستراتيجية معهم. أخيراً، نود أن تتطور أوجه تعاون متعددة الأطراف حقيقية في مجال الدفاع بين حلفائنا في المنطقة. لهذا السبب، حرصنا على إشراك دولة قطر بشكل كامل في المناورات العسكرية الفرنسية- الإماراتية الأخيرة "درع الخليج". ففي منطقة مضطربة كهذه المنطقة، من الضروري أن تعمل البلدان التي تدافع عن القيم نفسها مع بعضها لتعزيز أمنها المشترك. غير أنه لا يمكن اختزال العلاقة الاستثنائية التي تربط بين بلدينا بالبعد الاستراتيجي، رغم أهميته. فهذه العلاقة هي أيضاً سياسية واقتصادية وثقافية. ويثبت تاريخ صداقتنا، إن كان هناك داعٍ لذلك، أن الصداقات الأكثر متانة لا تنتظر مرور السنين. إن فرنسا التي كانت شبه غائبة عن منطقتكم قبل ثلاثين عاماً تقريباً هي اليوم منخرطةٌ تماماً فيها. ولا أحد يعرف ذلك أفضل منكم، أنتم في الإمارات العربية المتحدة، الذين أصبحتم من بين شركائنا الأوائل في الشرق الأوسط. من أجل بناء علاقة بهذه القوة وبهذه السرعة، استلزم الأمر رؤية حكيمة وكثيراً من الإرادة، وهنا أود أن أشيد بأعمال المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الدولة الاتحادية، والذي عمل الكثير من أجل تقارب شعبينا. وإننا اليوم مع صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان سائرون على خطاه. تستمد صداقتنا قوتها أيضاً من تمسكنا بقيم مشتركة من التسامح والانفتاح والحوار. وإننا نعبر عن هذه القيم في كفاحنا المشترك من أجل عولمة تكون أكثر عدلاً وفي التزامنا المشترك لصالح السلام لاسيما بالنسبة لشعوب المنطقة. والإمارات العربية المتحدة اليوم مثال للمنطقة وللعالم. ولأنكم قطب للاستقرار في الشرق الأوسط، ولأنكم نموذج للاعتدال والتسامح في منطقة هي أحيانا ما تكون بأشد الحاجة إليهما، ولأنكم من أوائل صنّاع حوار الثقافات، فإن مكاننا اليوم وغداً سيكون إلى جانبكم. إن فرنسا فخورة بصداقتكم. والإمارات العربية المتحدة مثال حي على أنه يمكننا أن نبقى أوفياء لثقافتنا وهويتنا دون أن ندير ظهورنا للحداثة وللآخر. إنكم تمثلون الإجابة الفضلى في مواجهة المتطرفين والأصوليين الذين يرغبون بكل الوسائل أن يفرضوا علينا مواجهة انتحارية بين الإسلام والغرب. وينبغي لنا أن نتجنب هذه المواجهة مهما كان الثمن ولن نتمكن من ذلك إلا معاً وبفضل بلدان كبلدكم. وهذا هو أيضاً معنى صداقتنا. كما أن هناك في صميم علاقتنا معكم، روابط اقتصادية وثيقة جداً لا تنفك تزداد قوة. ويعود الفضل في تطويرها إلى قادتكم الذين شجعوا على تحقيق انطلاقة اقتصادية ديناميكية رائعة عبر الرهان على الحداثة والانفتاح والتنوع. ويسرني اليوم أن عدد الشركات الفرنسية التي تريد مواكبة هذا التطور الاقتصادي يزداد يومياً. ولقد أردنا مع صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان أن نعطي أفقاً جديداً لتعاوننا من خلال التوقيع في يناير 2008 على اتفاق تاريخي في المجال النووي لأغراض مدنية. لقد اعتبرت دائماً وأبداً أنه لا ينبغي للطاقة النووية لأغراض مدنية، التي هي طاقة المستقبل، أن تبقى حكراً على بعض البلدان الغربية، وأنه ينبغي أن تستطيع جميع البلدان الحصول عليها، بالطبع بشرط أن تمتثل للقواعد الدولية. إن الاتفاق الذي بات يربطنا من الآن فصاعداً سوف يسمح لفرنسا بمساعدتكم لإيجاد الإطار المؤسساتي اللازم لتنمية المجال الكهربائي النووي. وإني أعرب عن ارتياحي للتقدم الكبير المحرز إلى الآن في التعاون بين المؤسسات الفرنسية والإماراتية المكلفة بالمشروع. وهناك أخيراً ركن آخر لصداقتنا أحرص عليه بشكل خاص من كل قلبي، وأعني هنا طبعاً المبادلات في المجال الثقافي الذي شهد مؤخراً تطوراً لا سابق له تمثل في إطلاق مشروعات ابتكارية رائعة. فمتحف اللوفر أبوظبي وجامعة السوربون أبوظبي هما خير مثال على ذلك، ولكن هناك العديد من المؤسسات الفرنسية التي شرعت في شراكات مشابهة في مجال التعليم العالي بشكل رئيسي. ويعود الفضل في هذه المشروعات للسلطات الإماراتية التي اختارت رهان المستقبل والديناميكية والشباب من خلال وضع التعليم والأبحاث والثقافة في صميم سياساتها. هذه أيضاً أمثلة ملموسة على حوار الثقافات الذي يحتاجه العالم حاجةً ماسة. في هذا العالم الذي تتراكم فيه التحديات، تشكل صداقتنا كنزاً ووعداً للمستقبل. لذا ينبغي أن نقوم بكل ما في وسعنا لصون هذه الصداقة وتنميتها. بإمكانكم دائماً أن تعتمدوا عليَّ في السعي مع قادتكم إلى بناء مستقبل مشترك لبلدينا وشعبينا.