يبدو استقلال الطاقة وكأنه فكرة عظيمة للغاية، لكن ما الذي يعنيه هذا الاستقلال على وجه التحديد، وعن من سيستقل، ومِن مَن سوف نتحرر؟ إن أكبر مصدِّر للطاقة للولايات المتحدة هو كندا. وعلى الرغم من أنها دولة جارة وصديقة، فإنها مضطرة لبيع الطاقة لنا بأسعار السوق، وهو ما ينطبق أيضاً على الدول البترولية البعيدة - وبعضها غير صديق - فهي أيضاً تبيع لنا بأسعار السوق. كما نشتري أيضاً كميات كبيرة من احتياجاتنا البترولية من فنزويلا شافيز، الذي لا يكف عن مهاجمتنا ولا نكف عن مهاجمته، ومع ذلك نستمر في التعامل معه. يمكن لنا التوسع في هذه الحجة أكثر من ذلك فنقول إن الولايات المتحدة يجب أن تفطم نفسها عن البترول حتى تقلص من أهميته الحيوية في عالم الطاقة بقدر ما تستطيع. ففي مثل هذه الحالة سوف تصبح الدول البترولية الكبرى في مختلف مناطق العالم أقل نفوذا عما هي عليه الآن، كما سيصبح بعضها أقل قدرة على تمويل المليشيات والمنظمات الإرهابية وهو هدف وإن كان جديراً بما يبذل من أجله من جهد إلا أنه يحتاج منا إلى قدر من الواقعية. فإذا أخذنا في حسباننا الطلب على الطاقة خلال العقود القليلة القادمة، فإننا سندرك أن البترول سيشكل جزءا أساسياً من احتياجاتنا، وهو ما يعني أن الدول البترولية ستتمكن خلال العقود القادمة من مراكمة كميات هائلة من الأموال وسيصبح بعضها على الأقل أكثر قدرة على تمويل الإرهاب، وهو ما يعني أن النضال ضد مثل هذه الدول سيستغرق منا وقتا طويلا وبالتالي، فلن يكون لدينا حل سريع لمشكلة الطاقة. إن المعنى الحقيقي لسعينا من أجل الاستقلال في مجال الطاقة يتمثل في شيء آخر أكثر طموحاً. هذا الشيء يتمثل في سياسة طاقة، تدرك أن العالم سيكون بحاجة إلى المزيد من الطاقة مستقبلا. ويمكن لنا إدراك ذلك من خلال إجراء عملية حسابية بطيئة: في الوقت الراهن يبلغ عدد سكان العالم 6.7 مليار إنسان. وبحلول عام 2050 سوف يتجاوز هذا العدد 9 مليارات نسمة. ولتوفير احتياجات العدد الإضافي الذي يبلغ 2.3 مليار إنسان، مع الاستمرار في نفس الوقت في الجهود الرامية لرفع مستوى معيشة سكان الارض، فإننا سنكون بحاجة إلى استهلاك كميات من الطاقة تبلغ ضعف الكميات التي نستهلكها حالياً. ومعنى ذلك أن النقاش الذي يدور حول المفاضلة بين البترول، والغاز الطبيعي، وأنواع الوقود الحيوي، والطاقة البديلة هو نقاش يفتقر إلى الواقعية تماماً. فإذا كنا نريد حقاً إدامة هذا العدد من سكان الأرض، والاستمرار في تحقيق التقدم الاقتصادي في نفس الوقت، فإننا سنكون في حاجة ليس إلى الطاقة فحسب وإنما لكل شيء تقريباً. والمفتاح لذلك هو تحرير أنفسنا على كل مستوى من مستويات سلسلة الطاقة. وهو ما يعني أولا وقبل أي شيء، إيجاد مصادر للطاقة تتميز بأنها كافية، ورخيصة، وليست لها أي أكلاف سرية سواء كانت بيئية، أو اجتماعية، أو عسكرية. هذا أمر مفهوم بالطبع، وليس بحاجة إلى التأكيد عليه. والأخبار السارة في هذا السياق تتمثل في أن عملية البحث عن أنواع ومصادر جديدة للطاقة، سواء كانت مستمدة من الشمس، أو الرياح، أو حرارة الارض( Geothermal) قد قطعت شوطاً كبيراً بالفعل. مع ذلك هناك جانب آخر يتعلق بالطاقة يحتاج إلى اهتمام خاص منا، وهو أن سكان العالم، وهم يعيشون، ويعملون ويستهلكون الطعام، والمعادن، والطاقة، يتركون في الوقت نفسه كميات ضخمة من المخلفات التي يحتاجون إلى المزيد من الطاقة للتخلص منها. وعلى الرغم من أن هذه المشكلة يتم الآن التعامل معها بأشكال مختلفة، فإن الأمر قد لا يكون بنفس السهولة عندما يصل عدد سكان العالم إلى 9 مليارات نسمة. حل هذه المعضلة في رأيي، يتمثل في إدراك أننا يجب أن نفكر ونتصرف بأسلوب أكثر ذكاء حول الطريقة التي سننمو بها، وأن نعمل في إطار هذا الإدراك على بناء شبكات طاقة ذكية، وطرق رئيسية متطورة، ومبانٍ محمية بشكل أفضل، وزراعة محاصيل عالية الإنتاجية، وإنتاج حديد وفولاذ أقل تكلفة. ويشير الخبراء أنه بمقدورنا زيادة قدرتنا الإنتاجية الحالية بمعدل يتراوح ما بين 30 إلى 40 في المئة مع استهلاك نفس القدر من الطاقة. ولن يتطلب هذا معجزات تقنية، وإنما سيتطلب فحسب الاستخدام المنضبط للتقنيات الموجودة لدينا حاليا. الثورات التقنية السابقة ساعدت على تحرير البشر من الكثير من القيود، وأطلقت طاقتهم لتحقيق المزيد من الإنتاج. فثورة تقنية المعلومات على سبيل المثال حررت البشر وأتاحت لهم استخدام قدرات الكمبيوتر الهائلة في كل مجال من مجالات الحياة تقريباً. بدءا من الميكروويف وحتى تقنية" آي بود"، ولكن المطلوب منا في الوقت الراهن هو رفع مستوى كفاءة الطاقة وليس الاكتفاء بتوسيع نطاق استخدامها فحسب. البحث عن حل سحري في مجال الطاقة هو بحث خاطئ من عدة نواح: فالثورة الحقيقية التي يجب أن تحدث تتعلق بمواقفنا وبأفكارنا. فالمشكلة ليست في التقنيات التي نمتلك الكثير منها بالفعل، بل في طريقة استخدام تلك التقنيات، وفي تصميم الأنظمة التي تسمح بتحقيق التطور والنمو الذي نريده دون أن يؤدي ذلك إلى نفاد مصادر الطاقة الموجودة لدينا، ودون أن يترتب على ذلك ضرر بالكوكب الذي نعيش فيه. فعندما نحقق ذلك، سنكون قد أنجزنا الاستقلال الحقيقي في مجال الطاقة. فريد زكريا رئيس تحرير "نيوزويك إنترناشيونال" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"